رئيس التحرير
عصام كامل

أمين الجامعة العربية يوجه انتقادات للأمم المتحدة.. «العربي»: يجب تحديد نطاق «الفيتو» وتوسيع عضوية مجلس الأمن.. منح الجمعية العامة صلاحيات لوقف النزاعات.. ويؤكد: موقف السعودية إنذار



أكد الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن هناك حالة من عدم احترام نص ميثاق الأمم المتحدة والذي يمر هذه الأيام ٧٠ عاما على تدشينه، وأدى إلى وجود خمس قوى دولية تسير بالمخالفة للميثاق الذي ينص بوضوح على المساواة بين الدول في الحقوق والواجبات، الأمر الذي تم التعامل معه في ثغرة أخرى بواسطة الدول الخمس دائمة العضوية واستخدامها لحق النقض "الفيتو".


وأكد العربي أن إحدى هذه الدول الخمس دائمة العضوية تستطيع منع إصدار أي قرار يتعارض مع ما تعتبره مصلحة حيوية من خلال التلويح باستخدام الفيتو، وبصورة تخالف الميثاق، لافتا إلى استخدام الفيتو تجاه الوطن العربي مرتين الأول من جانب الولايات المتحدة والتي تستخدمه دائمًا لحماية إسرائيل، وفي الجانب الآخر من جانب روسيا والتي تستخدمه هي الأخرى من أجل حماية النظام السوري.

وأضاف العربي في كلمته والتي ألقاها في احتفال منظمة تضامن الشعوب الأفروأسيوي والذي أقيم اليوم بالنادي الدبلوماسي:" نحتفل اليوم بمرور 70 عامًا على اتفاق 45 دولة بعد مداولات ومفاوضات استمرت أعواما على وضع نظام دولي جديد غير منهاج التعاملات الدولية بين الدول وخاصة منهاج مواجهة النزاعات، وغير من فكر الدول من التنافسية المدمرة إلى التعاون والتكاتف البناء من أجل مستقبل أفضل لشعوب العالم.

وكان ذلك نتيجة للدمار والموت الذي أغرقت فيه الدول إثر الحرب العالمية الثانية، وكانت ثمار هذه المفاوضات ميثاق الأمم المتحدة، وهو دستور المجتمع الدولي والذي على أسسه بنيت كافة التعاملات الدولية منذ عام 1945.

وأشار إلى أن الميثاق حدد المبادئ التي يجب أن تقوم عليها العلاقات بين الدول، ووضع الهيكل الذي أسست وفقها الأمم المتحدة (هيكل الأمم المتحدة - آليات تسوية النزاعات- التعاون الاقتصادي والاجتماعي- مجلس الوصاية - وتعديل الميثاق) وكان التركيز في حينها على قضايا السلم والأمن، واستحوذ هذا الشق أكبر قدر من الاهتمام، الأمر الذي تغير مع تطور العلاقات الدولية وتحول الأزمات من أزمات سلم وأمن إلى أزمات اقتصادية، وتنموية وبيئية.

نظام من أجل وقف الحروب
وأوضح أنه وفي عام 1945 ومن أجل قف الحروب تنازلت جميع الدول عن جزء من سيادتها لإضفاء صلاحيات واسعة غير مسبوقة على نظام جديد للأمن الجماعي يتولى فيه مجلس الأمن المسئولية الأولى لحفظ السلم والأمن الدولى.

وكان من أهم مبادئها وقف اكتساب الأراضي عن طريق الحروب، وأضفت سلطة اتخاذ التدابير الفعالة واللازمة لقمع أعمال العدوان وإزالة الأسباب التي تهدد السلم لآلية واحدة وهي مجلس الأمن. ويحدد الفصل السادس والسابع نظام الأمن الجماعي الذي توافقت عليه الدول.

نشأة بذور (حق الفيتو)
ولفت إلى أنه سرعان ما تبين أن بعض الدول-وهي الدول التي فازت في الحرب العالمية الثانية وهم أعضاء مجلس الأمن الخمس دائمي العضوية، على الرغم من رغبتهم في الحفاظ على السلم والأمن تركوا بذور للحفاظ على معيار من السلطة لنفسها دون الدول الأخرى، وذلك من خلال إعطائهم لأنفسهم حق الفيتو، مما أدى في واقع الأمر إلى عجز المجلس في العديد من الأحيان عن الاضطلاع بمسئولياته نظرًا لسوء استخدامهم لهذا الحق.

وأضاف:" كان من المتفرد طبقا لما اتفق عليه في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 أن يصبح ميثاق الأمم المتحدة هو الإطار الذي تتفاعل العلاقات الدولية طبقا لأحكامه. وهي مبادئ المساواة بين جميع الدول وعدم تميز دولة على أخرى".

سياسة الكيل بمكيالين

وأكد أنه ومع ذلك استمرت العلاقات بين الدول قائمة على استخدام القوة وأصبح مسار النظام العالمي يتحدد على أساس توازنات القوى واستقرت سياسات الكيل بمكيالين ومنطق العدالة الانتقائية في التعامل مع مختلف القضايا الدولية.

وأشار إلى أن خير مثال على ذلك تاريخ تعامل مجلس الأمن مع القضايا الحيوية المهمة التي تمس العالم العربي مثل مأساة فلسطين على مدى ستة عقود ومثل المأساة في سوريا الآن والتي تعانى المنطقة بل العالم كله بشدة من تداعياتها وآثارها الآن.

وأوضح:" ولقد واجهت الأمم المتحدة العديد من الانتقادات والتحديدات لأسلوب عملها وعجزها عن تحقيق الهدف الذي من أجله أسست. ولقد حاول البعض إدخال بعض الإصلاحات على الميثاق وإضفاء المزيد من التوازن إلى أروقته وقراراته من خلال تعديل الميثاق وتوسيع عضوية بعض أجهزته".

ولفت إلى المادة 108 من الميثاق والتي تحدد آلية إدخال التعديلات على الميثاق، حيث تشترط أن دخول أي تعديل حيز النفاذ يتطلب تصويتا ثلثي الأعضاء لصالحه وتصديقه وفقًا لأنظمتهم المختلفة بما في ذلك الدول الخمس دائمي العضوية.

وتابع: "ويتضح من المادة 109 أن الميثاق الحالي للأمم المتحدة لم ينظر إليه كآلية ثابتة لا تتطور مع تقدم الأيام وتغيير الأوضاع بل كآلية قابلة للتجديد والمراجعة لتتفق مع احتياجات الدول وتغيير الأوضاع، إذ تنص الفقرة الأولى من هذه المادة على إمكانية عقد مؤتمر عام لأعضاء الأمم المتحدة لمراجعة الميثاق".

وأكدت الفقرة الثالثة من الميثاق أنه في حال عدم عقد هذا المؤتمر مع انعقاد الجمعية العامة لدورتها العاشرة يضاف هذا المقترح إلى جدول الأعمال، ويعقد المؤتمر إذا حصل المقترح على أغلبية أصوات في الجمعية العامة وصوت واحد من أعضاء مجلس الأمن.

إصلاحات واجبة على الميثاق
وبالرغم من ذلك أكد أنه إلى يومنا هذا لم يتم هذا الأمر على النحو المطلوب، وإن تم إدخال بعض التعديلات على الميثاق للأخذ في الاعتبار أعداد أعضاء الأمم المتحدة اليوم، وتم توسيع عضوية مجلس الأمن من 11 عضوًا إلى 15 عضوًا في 31 أغسطس 1965، وعضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي من 18 إلى 27 عضوًا (وتم توسيع هذا المجلس في عام 73 من 27 عضوًا إلى 54).

وأضاف:" وفي تقديري يتطلب حفاظ النظام الدولي على مصداقيته إدخال بعض الإصلاحات على ميثاق الأمم المتحدة وخاصة على الفقرات الخاصة بالعقد الاجتماعى الدولى القائم وعلى وجه الخصوص نظام الأمن الجماعى collective security system".

وقال:"وفي هذا السياق أجد أن المجتمع الدولي يواجه معضلتين الأولى خاصة بتطبيق الفصل السادس والسابع والثانية في إدخال المصالح السياسية وإعطاء الأولوية للمصالح السياسية على تطبيق القواعد والقوانين الدولية، وهنا يهمني الإشارة إلى تعليق الأمين العام الراحل للأمم المتحدة U. Thant الذي أوضح أن صياغة الفصل السابع في الميثاق وضعت بمحددات واضحة للعدوان في أذهان صائغيها والتي تمثلت بشكل خاص في العدوان الفاشي والنازى والمنشورى في الثلاثينات".

وأضاف: "وكان من السهل تعريف المعتدي وتوحد المجتمع الدولي خلف موقف واحد واستبعاد ظهور شكوك أو توجسات أخلاقية moral doubts لدى الخيرين تجاه محاربة الأشرار في إطار جماعي".

تحديد نطاق الفيتو وتوسيع عضوية مجلس الأمن
ويقترح العربي ضرورة النظر في تحديد نطاق استخدام الفيتو وتوسيع عضوية مجلس الأمن بما يتفق مع تمثيل ديمغرافى عادل، فضلًا عن توطيد التعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، خاصة وأن معظم النزاعات أصبحت ذات طابع إقليمي.

واقترح أيضا توسيع دور وسلطات الجمعية العامة لتضطلع بمهام تمكنها من القيام بدور أكثر فاعلية في مسألة الحفاظ على السلم والأمن، خاصة وأنه سبق أن أكدت محكمة العدل الدولية في رأى استشارى صدر في الستينات أن الميثاق أضفى على مجلس الأمن المسئولية الأولية primary responsibility ولكن المجلس لا يملك طبقا لأحكام الميثاق مسئولية حصرية not exclusive responsibility.

وقال العربي:" يعتبر أن تحديد نطاق استخدام الفيتو من أهم النقاط التي يجب بحثها والنظر إليها بموضوعية وواقعية، فليس من المتوقع أن تتنازل الدول عن حقها في الفيتو، كما أن تعديل الميثاق يخضع مع الأسف الشديد في نهاية المطاف لموافقة الدول الخمس دائمة العضوية التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية والتي قررت إقامة نظام دولي تتحكم في مساراته".

ودعا إلى وضع بعض الأمور التي يتفق عليها خارج إطار تطبيق الفيتو، مقدما اقتراحا للنظر في ثلاث أمور:" الإجراءات ذات الطابع الإنسانى مثل إصدار قرارات بوقف إطلاق النار ومطالبة الأطراف بوقف الأعمال العدائية وتطبيق اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 في المنازعات المسلحة بالسماح بتوفير المواد الإنسانية ومواد الإغاثة للمدنيين".

كما دعا إلى النظر في إجراءات إمداد مجلس الأمن بالمعلومات الضرورية لقيامه بدوره، مثل ايفاد مراقبين بموافقة الدولة المضيفة لمراقبة وإصدار تقارير مستقلة وموضوعية وتقديمها إلى المجلس، لتهديد باستخدام أحد أسلحة الدمار الشامل ضد دولة، وأشار إلى أن هذا الأمر يتطلب تضافر جهود أعضاء مجلس الأمن لوقف استخدام هذه الأسلحة كما حدث مؤخرا عند استخدام السلاح الكيماوى في سوريا ضد المدنيين.

وأكد العربي أنه في حالة وضع هذه المعايير لاستخدام الفيتو سيتم ضمان وجود نظام أمن جماعى له مصداقية، وقال:"سنعمل على إنهاء النزاعات وإعادة السلم والأمن الدوليين بفاعلية".

ولفت إلى أنه رحب بشدة بالموقف غير المسبوق الذي أعلنته المملكة العربية السعودية بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن لأسباب تتعلق بازدواجية المعايير والفشل في حل المشاكل جوهرية التي تتعلق بالدول العربية وعلى رأسها قضية فلسطين والمأساة السورية وعدم العمل على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل بالرغم من التعهدات الدولية ذات الصلة.

وأكد أن الموقف المبدئي الذي أقدمت عليه المملكة العربية السعودية يعتبر ناقوس إنذار للمجتمع الدولى لإصلاح وتطوير المجلس.
الجريدة الرسمية