اللى اختشوا ماتوا
يحكى أن حريقاً هائلاً شب فى أحد الحمامات العثمانية، وكان حماما عاما للنساء فخرجن للنجاة من الحريق دون أن يبالين بأنهن عرايا، وقررت بعض النساء اللاتى منعنهن حياؤهن البقاء فى الحمام ومتن بداخله ومن هنا جاء المثل الشعبى اللى اختشوا ماتوا.
وما أثير مؤخراً من مجرد طرح فكرة تأجير آثار مصر ورفض الآثريين وكل شعب مصر لمجرد فكرة الطرح، يؤكد أن هذا الشعب يفضل الموت جوعاً بما يملكه من مخزون تاريخى وحضارى وحياء ورجولة على أن يبيع عرضه وشرفه وتاريخه وحضارته، لأن الآثار هى شرف وعرض وكرامة كل المصريين ويستحيل على أى شعب التفريط فى شرفه حتى ولو يموت جوعاً، وآثارنا غير قابلة للخصخصة أو التأجير فى أى وقت من الأوقات وهى ملك للدولة ولشعب مصر ولا يجوز خروجها من المنفعة العامة لتصبح منفعة خاصة طبقاً للقانون المدنى مادة 88 لكونها من المال العام.
ورب ضارة نافعة، فإن مجرد طرح فكرة أن هناك دولة يمكنها الوصول بآثار مصر لدخل يصل إلى 200 مليار دولار تعنى أن القضية تكمن فى إدارة مصرية جيدة لحسن استثمار آثار مصر وتنسيق حقيقى بين الجهات المعنية المختلفة، وهذا ما نفتقر إليه ويجب أن نعالجه سريعاً وهو أبلغ رد عملى علمى على هذا الطرح المهين والمستهين بحضارة مصر العظيمة وقيمة شعبها حفيد صناع حضارتها.
الرد العملى يكون بعقد ندوة عاجلة تضم وزارة الدولة لشئون الآثار والاتحاد العام للآثريين العرب واتحاد الأثريين المصريين وأساتذة الآثار بكلية الآثار وأقسام الآثار بالجامعات وهيئة تنشيط السياحة والهيئة العامة للتنمية السياحية والجهاز القومى للتنسيق الحضارى، لطرح عدة محاور لاتخاذ توصيات عاجلة لحماية آثار مصر وكرامة الأثريين وحمايتها وحسن استثمارها بأيدى المصريين.
ويجب أن تتضمن محاور الندوة إرساء قواعد للتعاون الفعلى بين الجامعة ووزارة الآثار للبحث عن وسيلة لتعيين الخريجين وتدريب طلبة الآثار على الحفائر والترميم وفتح المجال لدراسات جديدة عن الآثار كمادة للتنمية فى المجتمع وإصلاح منظومة العمل الإدارى بوزارة الدولة لشئون الآثار بضرورة وجود صف ثانى وثالث جاهز لتولى القيادة فى أى وقت ومن كل الشرائح العمرية وتأهيلها علمياً وإدارياً، وأن يكون مقياس الترقى للمراكز القيادية هى الكفاءة وحدها المتمثلة فى السيرة الذاتية والخبرة فى العمل والأقدمية والدرجات العلمية من ماجستير ودكتوراه فى مجال التخصص على أن تكون المراكز القيادية بالتناوب لمدة أربع سنوات لتجديد دماء الوزارة.
وتوصى الندوة بضرورة إنشاء وزارة للآثار وليست وزارة دولة لشئون الآثار دون موارد فى ظل الكساد السياحى لدرء المخاطر العديدة التى تهدد آثار مصر بالضياع، وعدم وجود موارد لحمايتها وتطويرها وإعدادها كمزارات سياحية ووضع دور للأثريين فى التنشيط السياحى والتنسيق الدائم بين وزارة الدولة لشئون الآثار والهيئة العامة للتنمية السياحية والجهاز القومى للتنسيق الحضارى لتطوير المواقع الأثرية المختلفة والمحافظة على طابعها العمرانى والجمالى وتبنى المشروعات الذى يطرحها الأثريون لتحويل الآثار إلى مادة للتنمية وزيادة موارد الدولة، ومنها مشروعات كبرى لإحياء الطرق التاريخية بسيناء ومشروعات لتطوير المواقع الأثرية واستغلالها فى أنشطة لا تتعارض مع طبيعتها الأثرية وتكفل حمايتها.