وزراء من كوكب مترو "الأنفاس"
حتى المشروع الذي يتباهى به وزراء عاشوا "عز" مبارك وعصره، استكثروا على الرئيس المخلوع دعوات مصرية له بحسن الختام؛ لأنه قلل المسافة بين شمال العاصمة وجنوبها إلى ساعة وربع الساعة، عبر خط حديدي يكتم أنفاسهم وتعرق داخل عربات قطاراته أبدانهم.
ويبدو أن أمثالهم لا يجيدون سوى الحديث عن "عالمية الأسعار" دون عالمية الأجور، وهي عادة انتقلت إليهم عبر حكومة أحمد نظيف "الذكية"، التي لا ترى في المصريين شعبًا آهلًا للديمقراطية، فسحقها وأمثالها بثورتين تعجل سياسات وإجراءات حكومة محلب بثالثة بعدهما.
فحينما يخرج وزير ليعلن للمصريين أن السعر العادل لأنبوبة البوتاجاز يساوي 70 جنيهًا، ويصرح آخر بأن السعر العادل للتر البنزين 80 يساوي 5 جنيهات، ثم يخرج ثالث عليهم بتصريح مفاده أن السعر العادل لتذكرة مترو الأنفاق هو 25 جنيهًا، فأنت أمام حكومة تضم أصحاب أفكار كونية لا تنتمي حتى لكوكب أنصار حكومات كل العصور.
ودون اجتزاء لكلام وزير النقل أمس دعونا نناقش منطقهم بأرقام نفقات أسرهم، إن كانوا من المنتمين تمامًا لطبقة قل عنها "وسطى" مثلًا، فلو أن الوزير نفسه يذهب إلى عمله بالمترو 26 يومًا في الشهر، بتكلفة 1300 جنيه، فهذا يعني أن ابنه "فقط" الذي يدرس بالجامعة مثلًا ويذهب إليها بالمترو، سيكتب قصة نهاية راتب والده الشهري ويزيد عليه بأكثر من 600 جنيه، على وسيلة مواصلات واحدة، أقصد الراتب الأساسي طبعًا.
أما تزويغ الوزير وابنه من سداد قيمة التذكرة، فسيكلف الدولة مبلغًا وقدره 2600 جنيه شهريًا، أي 31200 جنيه سنويًا، تضاف إلى 25 ضعف مبلغ خسائر المترو البالغة 180 مليون جنيه خلال عام حسب تقديره، وهى نفس الأسباب التي ستتكرر معها مبررات وزارة النقل لرفع أسعار تذاكر المترو ثانية لتعويض خسائره المعروفة أسبابها للعالمين ببواطن الأمور.
لكن الملاحظة التي لا ينتبه إليها أمثال معاليه أن المواطن "الراكب" لا تزال حكومته "تركب" دماغها تجاه الحد الأدنى للأجور بعد فشلها في تطبيق حد 1200 جنيه، لن تكفي عاملًا للذهاب إلى عمله والعودة إلى منزله مستخدمًا المترو، دون تحقيق أحلام أخرى كشراء أنبوبة بوتاجاز بسعر حر وسداد فواتير استهلاك كهرباء ومياه غير مدعومة، والحصول على علاج مجاني أو "اقتصادي" بمستشفيات عامة.
تصريحات وزير النقل حول سعر عادل لتذكرة المترو يزيد على الحد الأدنى للأجور، تتجاهل بالضرورة حقائق أخرى، وهى أن كل خطوط السرفيس والنقل الجماعي المرتبطة بمحطات مترو الأنفاق، سترتفع أسعارها بمجرد "تحريك" سعر التذكرة وتحديد مراحل استخدامها وصلاحيتها لشرائح محطات المرفق، وبالتالي هو يتحدث عن فوضى لأسعار تذاكر مركبات أخرى لا تتبع هيئته وتتسبب قراراته في زيادتها جراء إهمال حكومته الرقابة عليها، ووقتها سيخرج علينا أيضًا بنصائح على شاكلة "اتركوا الميكروباص واركبوا التوك توك".
معالي الوزير.. المترو لا تحتمل "أنفاسك" خنقته، والتوك توك لا يليق بك.. اركب عجلة.. فأنت نور عيوننا.