رئيس التحرير
عصام كامل

باحث سياسي: داوود أوغلو يتولى وظيفة الذرائع الممتدة لـ«أردوغان»


بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية 2014 أعلن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان عن عزمه دفع الديمقراطية إلى الأمام والسعي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن خصومه يتهمونه بتمسكه بتوسيع نفوذه وبسعيه لإعادة تأهيل النظام الإسلامي المحافظ.


الباحث السياسي جمال كاراكاس يسلط المزيد من الضوء على ذلك في تحليله التالي لموقع قنطرة، ويرى أن الانتعاش الاجتماعي الاقتصادي والإصلاح الديمقراطي، هو ما يجعل من سياسة حزب العدالة والتنمية التركي "نموذجا" يحتذى به في أجزاء من العالم الإسلامي.

فاز رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية في تركيا في 10 أغسطس 2014 كما كان متوقعًا وبنتيجة 52% من الأصوات.

وكانت المشاركة بالاقتراع ضئيلة نسبيًا بحسب المعايير التركية، وبلغت 74% فقط، صوَّت فيها نحو 21 مليون ناخب لأردوغان من أصل ما يقارب 55 مليون مواطن يحق لهم التصويت.

هذه النتيجة هي على الرغم من ذلك ممتازة لرئيس حزب العدالة والتنمية نظرًا إلى اتهامات الفساد التي يواجِهُها (أو تواجِهُها عائلته) وحزبه.

وبالرغم من ذلك استغلَّ أردوغان هيمنة حكومته ذات الحزب الواحد منذ سنة 2002 لكي يقوم بحملته الانتخابية من خلال وسائل إعلام الدولة ووسائل الإعلام المقرَّبة من حزبه ولكي يضيِّق الخناق على خصومه ومنعهم من التوسُّع، الأمر الذي انتقده المراقبون الدوليون محقين في ذلك.

بيد أنَّ هذا كلَّه لا يفسِّر النجاح المتجدِّد لحزب العدالة والتنمية الذي فاز منذ سنة 2002 بـــ3 انتخابات برلمانية وانتخابين رئاسيين و3 انتخابات محلّية واستفتاء على الدستور، إذًا كيف يمكن تفسير انتصار أردوغان في الانتخابات؟ وماذا يمكن أن تتوقع تركيا من رئيسها الجديد؟

ثمة 4 عوامل حاسمة في انتصار أردوغان المتجدد في الانتخابات: أولًا الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، ثانيًا البدء بإدخال إصلاحات ديمقراطية، ثالثًا الثقافة السياسية ورابعًا المعارضة الضعيفة في تركيا.

تمكّن أردوغان وحزب العدالة والتنمية من تحقيق أطول فترة ازدهار اقتصادي في تاريخ تركيا، فالاستثمارات الأجنبية أصبحت أضعاف ما كانت عليه وبلغ مجموعها منذ سنة 2002 أكثر من 400 مليار دولار، وهذا أكثر بكثير مما جرى استثماره في الستين سنة السابقة، إضافة إلى ذلك، نما دخل الفرد وبلغ نحو 12 ألف دولار أمريكي ليكون بذلك قد تضاعف 3 مرات عما كان من قبل.

علاوة على ذلك فقد تمَّ حتى الآن تحقيق إنجازات شتى على صعيد البنية التحتية، مثل شق الطرق السريعة وبناء الجسور، وتوفير الكهرباء والمياه الجارية، كما تمَّ التقليل من نسبة البطالة وحجم التضخم المالي وجرى اعتماد التأمين الصحي القانوني؛ كلُّها إجراءات تستفيد منها على وجه الخصوص الفئات غير المتعلمة وذات الدخل المحدود.

ويكمن السبب الثاني في الإصلاحات الديمقراطية التي جرى تنفيذها في الدورة التشريعية الأولى خاصة (وجزئيًا في الدورة التشريعية الثانية)، فحيث فشل أسلاف إردوغان "الموالون للغرب وأتباع كمال مصطفى أتاتورك" نجح رئيس حزب العدالة والتنمية، وبالتحديد في بدء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (منذ سنة 2005)، وكذلك المصالحة مع الأقلية الكردية التي تمَّ أخيرًا الاعتراف بهويتها الخاصة وتوسيع حقوقها الثقافية.

كما جرى إلغاء صلاحياتٍ متعددةٍ للجيش في عملية صنع القرار السياسي، وتمَّ إلغاء عقوبة الإعدام، وتعزيز حقوق المحجبات في الدراسة الجامعية أو في العمل في القطاع العام.

إذا أخذنا هذين السببين بعين الاعتبار، أي الانتعاش الاجتماعي الاقتصادي وإدخال الإصلاحات الديمقراطية، سنتمكَّن من فهم سبب اعتبار سياسة حزب العدالة والتنمية "نموذجًا" يحتذى به في أجزاء من العالم الإسلامي، وسبب استمرار شعبية هذا الحزب في تركيا، حيث يشعُر الكثير من الناس بالامتنان لحزب العدالة والتنمية ولأردوغان في المقام الأول.

أما حيثية التغاضي عن مختلف إخفاقات حزب العدالة والتنمية الاقتصادية والسياسية، مثل الاتهامات بالفساد التي وردت آنفًا، أو تعامل أردوغان السلطوي مع محتجي حديقة غيزي بإسطنبول، وكذلك فرض القيود على حريتيّ التعبير والصحافة، فتعود أيضًا إلى العاملين الآخرين المتمثلين في ثقافة البلاد السياسية وضعف المعارضة السياسية.

تتأثر الثقافة السياسية في تركيا بشكل رئيسي بالنزعة القومية (أو بالهوية والمشاعر التركية)، وبإسلام الغالبية السنِّي، وبهيمنة أفكار المركزية وبالرغبة بوجود شخصيات قيادية سياسية قوية، أما مفاهيم مثل الليبرالية وسيادة القانون وترابط وتفاهم الديانات المختلفة أو القدرة على النقد الذاتي فهي مفاهيم غريبة إلى حد كبير.

انطلاقًا من هذه التوليفة يجري في المقام الأول فهم الديمقراطية والتحول الديمقراطي باعتبارهما أداة لفرض الأولويات الخاصة أكثر من اعتبارهما معايير، لذا يُنظر إلى الهجمات السياسية بعين الشك وبالتفكير النمطي والنزعة الانتقامية، ومن هذه الأخيرة يتم إضفاء ما يشبه الشرعية على الممارسات الخاصة.

عندما يواجه حزب العدالة والتنمية وأردوغان اتهامات بالفساد نسمع في الكثير من الأحيان أنَّ المزاعم ليست سوى "حملة" تقوم بها المعارضة أو أنَّ الأحزاب السياسية الأخرى والسياسيين الآخرين ليسوا أقل فسادًا.

وينطبق الأمر نفسه على اتهام حكومة حزب العدالة والتنمية بممارسة سياسة الانتفاع واقتصاد المحسوبية، التي تتولى احتكار منح العقود العامة وتعزِّز التداخل بين مختلف مؤسسات الإعلام الحكومية والخاصة من خلال الهيمنة الطويلة للحزب الواحد.

يضاف إلى ذلك أنَّ المعارضة لم تستطِع على مدى أكثر من عشرةِ أعوامٍ أنْ تواجه وتنافس حزب العدالة والتنمية: لا على صعيد شخصياتها ولا على مضامين سياساتها، فعلى صعيد المضمون بالذات كان هناك الكثير من سمات التمايز المحتملة عن حزب العدالة والتنمية، كالتركيز على متابعة عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتعزيز حقوق المسيحيين والعلويين، وتوسيع حريتي الصحافة والتعبير، ولفت الانتباه إلى اتساع الفجوة المستمر بين الأغنياء والفقراء، وقضايا الطاقة والبيئة أو تصحيحات في السياسة الخارجية التركية المضطربة منذ ثورات "الربيع العربي" والتي خسرت الكثير من مصداقيتها.

ما الذي يمكن أن تتوقعه تركيا من الرئيس رجب طيب أردوغان؟ حاول أردوغان إظهار فوزه في الانتخابات باعتباره انطلاقة نحو مستقبل جديد، إلا أنَّ رئيس الدولة لا يُعتبر بموجب الدستور إلا الممثل الأعلى للدولة (الكمالية) وليس لديه سوى القليل من الوظائف التنفيذية وصلاحيات التعيين، ويمكن القول إنَّ مهامه تشبه مهام رئيس دولة ألمانيا الاتحادية.

وعلى الرغم من ريبة بعض الخبراء الدستوريين، يعتقد إردوغان أنَّ انتخابه المباشر من قبل الشعب لمنصب رئيس الدولة قد منحه الشرعية في إلحاق المنصب بصلاحيات جديدة، لكنَّ الأمر ليس بهذه البساطة بحيث يَمنحُ الرئيس صلاحياتٍ لنفسه، إذ من الضروري تعديل الدستور لتحقيق ذلك، ويحتاج أردوغان من أجل هذا التعديل الدستوري أغلبية ثلثي أعضاء البرلمان على الأقل.

لا يُعتبرُ النظام الرئاسي من حيث المبدأ سيئًا بالضرورة، والنظام الفرنسي مثالا جيدا على ذلك، لكنه يصبح إشكاليًا في المثال الروسي، إذ أنَّ في اتِّباعه تتجلَّى "البوتينية" في تركيا أكثر، لا توجد حاليًا أغلبية تؤيد النظام الرئاسي، إلا أنَّه من شأن هذا أن يتغيَّر في الانتخابات البرلمانية لسنة 2015.

ومع ذلك ينبغي على الراغبين بإحداث تغيير مهم كهذا على النظام السياسي ألاّ ينسوا أنَّ أردوغان وحزب العدالة والتنمية لن يحكمان إلى الأبد، وذات يوم سوف يعاد انتخاب أحد السياسيين الكماليين رئيسًا، وبالتالي سوف يكون قادرًا على الاستفادة من النظام الجديد بحسب رؤيته للأمور.

علينا إذًا الانتظار لنرى كيف سيتعامل أردوغان مع المنصب الجديد دون تعديل دستوري، أما إعلانه عن أنه يريد تعيين أكثر من ألف مستشارٍ وموظفٍ جديد، فيدل على أنَّه سيكون رئيس دولةٍ حاكم، عندها ولدواعي الحفاظ على الشكليات سيتوجب تعيين رئيس وزراءٍ يجب أنْ يكون بالضرورة نائبًا ويحتاج إلى أغلبية برلمانية، وكما هي الحال في ألمانيا ينفذ المهام "بالوكالة".

وظيفة "الذراع الممتدة" لأردوغان سيتولاها وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو باعتباره رئيس الوزراء الجديد، ويعتبر اتِّباع داود أوغلو لأجندة مستقلة بعيد الاحتمال لأنه رفيقٌ مخلصٌ لأردوغان.

وبالنظر إلى مدى صرامة أردوغان في تعامله مع النقّاد في السياسة والاقتصاد والمجتمع في الأعوام الثلاثة الأخيرة، لا يسع المرء إلا أن يأمل في أنْ يختار في المستقبل أساليب تعامل أكثر تسامحًا بصفته الممثل الأعلى للدولة، وخطابه بعد فوزه التاريخي بالانتخابات بدا تصالحيًا على أي حال.

كما أشار أردوغان إلى أنَّه يريد أنْ يبذل جهده في سبيل تقوية عملية بناء الديمقراطية في البلاد، أما مدى إيفائه بوعوده السياسية فذلك رهن المستقبل.
الجريدة الرسمية