رئيس التحرير
عصام كامل

العك السياسي


تضمنت الخبرات والعلوم السياسية -عبر التاريخ- العديد من التعريفات والمفاهيم المتعلقة بنظم الحكم، وعملت على بلورتها، وطرح نماذج وأمثلة لها، وظلت هذه المفاهيم –حتى وقتنا هذا- تعبر عن حال العديد من أنظمة الحكم حول العالم، إلى أن جاء النظام السياسي المصري بقيادة الرئيس مرسي ليضيف مفهوم جديد في مجال العلوم السياسية، وهو مفهوم "العك السياسي".

حيث ساهم النظام السياسي المصري الحالي في صياغة هذا المفهوم وبلورته، ووضع تعريف له على أنه: "ذلك الوضع السياسي الذي يتحقق عندما يجمع نظام الحكم بين التخبط في صنع القرار، وعدم ثباته، وغياب الرؤية، وسوء التقدير".

فمنذ انتخاب الدكتور مرسي رئيسا للجمهورية، أصبح النظام المصري يعيش حالة من "العك السياسي"، الذي تعددت مظاهره وأشكاله، وفقا للتعريف السابق، ويمكن رصد هذه المظاهر من خلال التخبط في إصدار القرارات -من جانب مؤسسة الرئاسة- فمنذ بداية الفترة الرئاسية للدكتور مرسي، وقراراته تتسم بالتخبط، وعدم الثبات، فلا يوجد قرار يتخذه الرئيس، إلا ويتراجع عنه في فترة قصيرة، فقد شاهدنا قرارا للرئيس مرسي بعودة مجلس الشعب بعد حله، ثم التراجع عنه، وقرار عزل النائب العام –المستشار عبد المجيد محمود- ثم التراجع عنه والاعتذار له، ثم عزله مرة أخرى من خلال الإعلان الدستوري، ثم قرار الإغلاق المبكر للمحالّ التجارية والذي أثار جدلا كبيرًا، والتراجع عنه بعد الرفض الشعبي له، ثم قرار إصدار الإعلان الدستوري، والتراجع عنه من خلال إعلان دستوري آخر، وأخيرا وليس أخرا قرار فرض الضرائب على بعض السلع والتراجع عنه أيضا، وكأن التراجع في إصدار القرارات، وعدم سريانها أصبح بمثابة أمر طبيعي لا تستطيع مؤسسة الرئاسة الاستغناء عنه.

ويمكن الإشارة إلى أن هذا التخبط في صنع القرار من جانب مؤسسة الرئاسة، قد تسبب في عدد من النتائج الوخيمة التي يمكن وأن تؤثر على مستقبل البلاد السياسي، ويمكن رصد هذه النتائج من خلال التالي:

أولا: انتقال هذه الظاهرة إلى باقي مؤسسات الدولة، حيث شهدت عدد من مؤسسات الدولة خلال الفترة الأخيرة أيضا حالة من التخبط والارتباك في صنع قراراتها، بداية من المؤسسة القضائية التي اتسمت قراراتها خلال الفترة الأخيرة بالتخبط، وعدم الثبات، حيث بدا ذلك واضحًا من خلال قيام النائب العام المستقيل –طلعت عبد الله- بإصدار قرار بنقل المستشار «مصطفى خاطر» إلى محافظة بني سويف -على خلفية التحقيق في أحداث الاتحادية- ثم التراجع في القرار، والإبقاء عليه كمحامٍ عامّ لنيابة شرق القاهرة، كما امتدت هذه الظاهرة أيضا إلى المؤسسة العسكرية ذاتها، وقد بدا ذلك واضحا من خلال مشهد اللقاء الذي دعا من خلاله الجيش القوى الوطنية للتشاور والحوار، ثم التراجع والاعتذار عنه لأسباب غير معروفة.

ثانيا: قد خلفت هذه الأزمة أيضا أثارا وخيمة على الشارع المصري، حيث أدى التخبط في إصدار القرارات، وعدم دراستها جيدا، إلى درجة خطيرة من الاستقطاب انتهت بالاقتتال الشعبي الذي شهده محيط قصر الاتحادية خلال الأيام القليلة الماضية، حيث انقسم الشارع إلى فريقين، أحدهما مؤيد لقرارات الرئيس -غير المدروسة- والآخر معارض لكافة قرارات الرئيس، مما أسفر عن حالة من التحدي والاستقطاب بين الفريقين.

وعند تحليل تلك المشاهد التي تم تناولها، نجد أن هناك أزمة كبيرة تتعلق بصنع القرار السياسي في مصر على مختلف المستويات، وأن هناك عددًا من الأسباب والتداعيات التي ساهمت، وبشكل كبير في صنع هذه الأزمة، ويمكن رصد هذه الأسباب من خلال التالي:

· أن مؤسسة الرئاسة تعمل بشكل فردي، وقد بدا ذلك واضحا من خلال إعلان معظم مستشاري الرئيس، ونائبه عدم أخذ رأيهم في الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر.

· العشوائية في اتخاذ القرارات، حيث يتم اتخاذ القرارات دون وضع دراسة جيدة لتأثيراتها، أو التنبؤ بردود الأفعال التي يمكن أن تخلفها.

· غياب أو ضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة، وقد بدا ذلك واضحًا من خلال قرار المؤسسة العسكرية السابق ذكره، والذي شهد تصريحات متناقضة من جانب كل من مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية.

وفي النهاية، يمكن تقديم عدد من الحلول، التي يمكن من خلالها معالجة تلك الأزمة، وذلك من خلال التالي:

· تكوين فريق رئاسي جديد، يضم كافة التيارات السياسية، ويكون معبرًا عن كافة الأطياف.

· اللجوء إلى هذا الفريق الرئاسي في كافة القرارات قبل اتخاذها، بحيث لا يكون مجرد أداة ديكورية أو شكلية، كما حدث من قبل.

· خلق قنوات فعالة تعمل على التنسيق والتواصل بين كافة مؤسسات الدولة.

وأخيرا وليس أخرا، لا بد أن تقوم مؤسسة الرئاسة بوضع إرادة الشعب في اعتبارها، وذلك من خلال التفكير قبل اتخاذ أي قرار إذا كان هذا القرار سوف يكون من مصلحة الشعب أم لا، فكما رأينا أنه على الرغم من كافة القرارات التي تم اتخاذها إلا أن إرادة الشعب كانت تنتصر في النهاية.

الجريدة الرسمية