حكم الإخوان.. المرة الأولى والأخيرة
تجربة الإخوان في الحكم لم تكن ناجحة بأي حال، بل كانت فاشلة بكل المقاييس.. تصور الناس أن الإخوان سيعوضونهم سنوات المعاناة الطويلة التي عاشوها، لكنهم فوجئوا بما لم يكن في التصور ولا في الحسبان، خاصة بعد ثورة غير مسبوقة تطلعوا فيها إلى تحقيق أحلامهم في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. لكن -للأسف - لم يختلف الإخوان عمن سبقوهم.. وعدوا وأخلفوا، بل كذبوا.. قدموا أهل الثقة على أهل الخبرة، وزرعوا رجالهم داخل مفاصل الدولة.. لا خبرة لديهم ولا تجربة عندهم في أي شيء.. لم يكونوا على دراية بإدارة حي، فكيف بإدارة دولة في حجم ووزن مصر؟!
كان المفترض أن يتدرجوا في تحمل مسئولية الإدارة.. من إدارة حي، إلى مدينة، ثم إدارة محافظة، وبعد ذلك تولي وزارة معينة، ثم حكومة، وهكذا.. لكن أن يتم القفز مباشرة إلى رئاسة الدولة، فهذه كانت الكارثة.
وقد اعتبرت - شخصيًا - إقدام الإخوان على خطوة الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية خطئا إستراتيجيًا قاتلًا، سوف يكلف الجماعة والوطن غاليًا، وهذا كلام مسجل ومعروف، ومن العجيب أن الإخوان أداروا الدولة بأسلوب التنظيم السري!، فمؤسسات الدولة العادية لا تعلم شيئًا، ويكفي أن يقال إن المستشار محمود مكي، وهو نائب رئيس الجمهورية الوحيد ورجل القانون، لم يعلم بقصة الإعلان الدستوري الكارثي الذي أصدره - أو بمعنى أدق الذي أمر بإصداره - محمد مرسي في ٢١ نوفمبر ٢٠١٢، إلا بعد صدوره.. فهل هذا معقول؟!
إن الرئيس المعزول محمد مرسي لم يكن سوى ظل أو صدى لمكتب إرشاد الجماعة، بل لأعضاء نافذين داخل المكتب.. وكانت مجموعة الإخوان في قصر الاتحادية تعتبر "شعبة" من شعب الإخوان، لها دائرتها التي تتحرك فيها وقضاياها التي يمكن أن تفصل فيها، لكن القضايا الكبيرة والخطيرة، ليست من شأنها ولا هي صاحبة القرار فيها، وإنما مكتب الإرشاد هو صاحب القرار الفعلي، لذلك كان هتاف الشعب "يسقط.. يسقط حكم المرشد" دليلا على أن الأمر كان واضحًا ومفضوحًا..
وللأسف نقول إنه خلال ذلك العام البائس، لم تكن هناك عدالة اجتماعية، ولا عدالة انتقالية، ولا قصاص لحق الشهداء.. وعانى المجتمع المصري من التشرذم والانقسام والعنف، وكان على شفا حرب أهلية، وهو ما دفع قطاعًا كبيرًا من الشعب المصري للثورة عليهم في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وكانت استجابة القوات المسلحة لإرادة الشعب الثائر والإطاحة بحكمهم في ٣ يوليو ٢٠١٣، عاصمًا من هذه الحرب من ناحية، وحفاظًا على أركان الدولة من التدهور والانهيار من ناحية أخرى.
لقد كانت أمامهم فرص كثيرة للحل والعودة إلى الشعب عبر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكنهم - للأسف- أضاعوا كل الفرص المتاحة، وقد لاحت أمامهم أيضًا فرص كبيرة على مدى ٤٧ يومًا أثناء اعتصامي "رابعة والنهضة"، إلا أنهم أضاعوها وفضلوا طريق العنف والدم والصدام مع مؤسسات الدولة..
لقد قدم الإخوان في مصر نموذجًا سيئًا ورديئًا وفاشلًا للحكم، ومن المؤكد أن هذه التجربة سوف تظل محفورة في ذاكرة ووعي المصريين على مدى عقود طويلة.. كانت هي التجربة الأولى للإسلاميين، وأعتقد أنها سوف تكون الأخيرة.. في تصوري سوف تمضي سنوات - وربما عقود - حتى يعود الإخوان إلى المجتمع المصري مرة أخرى، لكن بعد مراجعة فكرهم ومواقفهم، وقبل ذلك وبعده اعترافهم بأخطائهم ومن ثم اعتذارهم للشعب المصري.. حينذاك، وحينذاك فقط، يمكن أن يكون هناك قبول، لكن بشكل مختلف تمامًا عن ذي قبل.