رئيس التحرير
عصام كامل

تعذيب الإخوان في الصين!


قبل عدة عقود لم تكن هناك أي شهرة للصين إلا في تعدادها السكاني الرهيب.. كل القياس والحساب كان بملايين السكان ونسبتهم من سكان أي بلد آخر.. وبعد ثورة "ماو تسي تونج" تغير الحال؛ لأن الحال تغير أصلا لكي تشتعل الثورة.. في ملحمة نادرة أن يطوف ثائر أرجاء دولة كالصين - هي قارة بأي قياس - يوقظ الناس ويثقفهم ويعلمهم ويبعدهم عن إدمانهم الثقيل المعروف للأفيون.. ثم بعد ذلك ينظمهم في مجموعات صغيرة انتهت إلى ثورة كبيرة..


وفي ظل بلد متسع مع تخلف تكنولوجي كبير، كان من الصعب السيطرة على كل شيء فكان للثورة أخطاؤها.. ولكن كان الأمر فرصة للمتربصين بالنظام الشيوعي هناك في ظل الحرب الباردة، أن تكون فرصة لإجهاد النظام وهو الذي تتعارض توجهاته - ورغم التطوير والتحديث والمراجعات - مع توجهات النظام الرأسمالي الغربي وأمريكا تحديدا.. فكان التخطيط في نهاية ثمانينيات القرن الماضي لربيع مشابه لربيعنا العربي.. واعتصم طلاب الصين بالآلاف في الميدان السماوي بالعاصمة بكين.. فتم سحق الاعتصام بالدبابات.. وليس بالرصاص وحده!

الآن.. وبعد أكثر من 20 عاما من الحادثة، نقف ونتوقف ونتأمل ونسأل: ماذا لو نجح الاعتصام؟ ماذا لو جاء الليبراليون إلى السلطة في بلد عاش لسنوات في نظام شيوعي؟ صحيح يتم تطويره حتى أنه يأخذ بنظام السوق لكنه لم يتحول إلى الرأسمالية بعد، فكيف سيكون حال الصين اليوم؟ هل هي الصين التي نعرفها أم بلد تمزقه الخلافات ويفتته الاقتتال؟ هل كانت ستبقى هونج كونج وتايوان جزءا من الصين الأم أم كان انفرط عقد الدولة الكبيرة العظيمة؟

هنا.. في بلادنا وكثيرون من الذين ينبهرون بالصين الآن.. ويمتدحونها كل يوم ويتغزلون فيها وفي إبداعها ويخرسون تماما في أي كلام يخص الحريات والديمقراطية بها.. لماذا؟ لأن الإنجازات تخرس بالفعل حتى أصحاب الألسنة الطويلة.. فدولة تقترب من المليار ونصف المليار مواطن تصدر القمح والخضر لتصل إلى دول بعيدة بآلاف الأميال بأقل من سعرها به!! ودولة بهذا الحجم تغرق العالم بمنتجاتها حتى في أدق خصوصيات الدول الأخرى مثلما تصدر لنا فانوس رمضان وسجاد الصلاة وغيرها مما نعرفه وتعرفونه..

دولة كتلك تملك أكبر احتياطي نقدي في تاريخ البشرية.. وغاية ما عندهم وأجمله أن الله سبحانه أعفاهم وعافاهم من مهابيل ومخبولين لا يجذبون بلدهم للخلف.. ويلتفون كلهم حول هدف واحد وأمل واحد.. يدركون كلهم.. حاكمهم ومحكومهم أن الديمقراطية قادمة لا محالة لكن ولظروف نشأتهم ستتأخر قليلا.. لما بعد تحقيق حياة آمنة في التعليم والصحة للجميع في بلادهم.. ويدركون أن الشعب المتعلم الواعي لن تضحك عليه أمريكا - ولا غيرها - باسم الديمقراطية، وهو كذلك لن يفرط في إنجازات شعب وأجيال تم عبر سنوات طويلة.

أما في بلادنا فقد كنا نسير بأسرع مما تسير عليه الصين إلا أن عندنا كان الهدف بعد رحيل قائد ثورة الوطن هو الانتقام للماضي من أسر وعائلات أخذوا منهم أراضي زراعية ليعيش الغلابة وليس لرجال الدولة.. واستخرج الإخوان من السجن لينتقموا من حاكم كل ذنبه أنه حمى الشعب منهم ليستطيع أن يتقدم وينجز ويبني.. وليس ليبقى في السلطة لأن لا حاكم أحبه الناس مثله.. وهكذا.. لن تجد هناك.. في الصين.. ولا بعد 100 عام من يصرخ بتعذيب الإخوان الصينيين ولا غيرهم، ولا حتى حادث الميدان السماوي.. الكل يفهم ويعي.. والكل يعمل ويبني.. والكل ينظر للمستقبل مع إصرار لا مثيل له لهزيمة التخلف.. ويبدو أن بعضا من هذا التخلف فر إلى هنا واستوطن - للأسف - منذ فترة طويلة!.
الجريدة الرسمية