رئيس التحرير
عصام كامل

وهؤلاء مفسدون أيضا!


أمرت النيابة قبل أيام، بحبس قاضٍ أطلق الرصاص على "فران" بعد اختلاف على أولوية المرور في غمرة. 

في اليوم نفسه، أمر النائب العام بتحديد جلسة محاكمة عاجلة لضابط شرطة متهم بالاتجار في الهيروين، ولم يجد قرار حبس القاضي صدى لدى إعلام يتكلم ليل نهار عن محاربة الفساد.

لم يشر أي من نجوم "التوك شو" إلى محاكمة القاضي.. لم يتكلم أحد عن إيقاف الضابط عن العمل.. ولا إلى قرار إخضاعه لتحقيق داخلي غير محاكمته جنائيا.. وفي اليوم نفسه، شن نجوم التوك شو حملة على الداخلية.. في واقعة اغتصاب أميني شرطة لفتاة داخل سيارة نجدة! 

على "فيس بوك".. صعد نشطاء وحزبيون شباب من هجومهم على أعضاء الهيئات القضائية بسبب واقعة إطلاق النار.. عادوا لذكر الريشة على رءوسهم.. تداول آخرون تويتات عن "بلاوي رجال الشرطة".. عادت من جديد ولو على استحياء مطالبات "تطهير الوزارة".

ما المقصود؟
المقصود أن كثيرا من الترصد واضح في الإعلام.. ليس ترصدا ضد الفساد.. لكن ترصّد ضد الدولة باسم الحرب على الفساد. 

المحلوظ أيضا عداء للسلطة متـأصل في الشارع بلا سبب.. ضغينة غير مبررة لمؤسساتها.. تتصاعد معه موجات عاتية من الهجوم مع كل شرارة.

بين شباب مواقع التواصل.. وأغلبهم حزبيون، تظهر من آن لآخر رغبات عدائية مصحوبة بمحاولات تهييج بنظرة غير مبررة، إلى جانب واحد من الصورة.

الإشارة الدائمة إلى فساد مؤسسات الدولة.. ليّ المعلومات.. قطعها.. بترها عن وقائع مختلفة سيؤدي حتما إلى "رفع الغطاء الشعبي" عن مؤسسات الدولة في الطريق لإعادة البناء، مع أن رفع الغطاء الشعبي هو الطريق الأقصر لهدم الدولة.

في علوم الاجتماع السياسي "الغطاء الشعبي" هو "الدعم المعنوي والصورة المعتبرة لمؤسسات الدولة كما يراها الشارع".

في الاجتماع السياسي أيضا لا تسقط الدولة لخروج الآلاف في الشارع ضدها.. إنما تسقط لانتفاء صفة الاعتبار عند الآلاف في الشارع.. لذلك خرجوا ضدها.

نسلم بأن الإعلام ضد الفساد.. لكن لا يكفي أن تكون ضد الفساد كي يسقط الفساد.. بعضهم يفسد خلال حربه ضد الفساد.. مواقع التواصل الاجتماعي هي الأخرى تمارس فسادا من نوع ما.

تجاهل حبس "قاضي ضرب النار"، وإبراز واقعة اغتصاب أمناء الشرطة نموذج واضح ومثال.. تناقل واقعة القاضي مبتورة على مواقع التواصل.. تداولها من دون نهاياتها.. تناولها مجتزئة.. أكيد حدوثها دون حساب الجاني.. إبراز واقعة الاغتصاب دون التأكيد على "مصير الأمناء" في أوساط ملايين من شباب لا يختبرون الواقع إلا من خلال تويتر.. ولا يعرفون شيئا إلا من خلال "فيس بوك" فساد من نوع ما.

تجاهل نجوم التوك شو تلك الوقائع.. تقاعس.. استمرار التعامل مع الأحداث في دولة مازالت مضطربة بعد أحداث اجتماعية وسياسية جسام يؤدي بالضرورة إلى انحياز مغلوط في الشارع ضد مفهوم البناء.

تزايد تفاصيل مماثلة وتراكمها يصب في النهاية في غير صالح مؤسسة القضاء.. بعدها سهل التشكيك في أحكامه.. سهل التشكيك في رجال الشرطة.. سهل إيجاد رغبة في المواجهة بالسلاح على طريقة الألتراس.

ليس المطلوب تجميلا على حساب ألوف من مظاهر "الاضطراب" نعترف بها ونقرها.. إنما المطلوب إنصاف واعٍ.. الفراق كبير بين الإشارة لمواطن الألم.. وبين تصيد مواطن الألم.. والمعايرة بالمرض.

لم ندخل بعد 30 يونيو مرحلة استقرار.. مفترض أن 30 يونيو وضعتنا على طريق ننطلق منه نحو الاستقرار.. تفشي الفساد أحد موروثات فترات مضت.. لا يكفي وضع نتائح وتداعيات الماضي في "برواز".. يبقى تدبر السبل للفكاك من عثرات الماضي.

الإشارة الدائمة للجروح لن تشفي جروحا.. مطلوب الإشارة إلى إجراءات الإسعاف.. مطلوب إبراز جهود الإسعاف.. ومحاولات رجال الإسعاف. 

استمالة الرأي العام بإشارات عشوائية عن تغلغل الفساد باتت حرفة مشاهير الإعلام.. وهو فساد من نوع آخر. 

Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com
الجريدة الرسمية