رئيس التحرير
عصام كامل

الشارع المصرى بتوع ربنا وبتوع زينا


يلتقى الحكم الدينى والحكم العسكرى فى خواص الاستبداد.. إعلاء الأمر على الرأى.. السمع والطاعة.. التنفيذ أولاً والتضرر لاحقًا.. ربما تكون الخاصية الأخيرة من مقتضيات الأداء العسكرى وقت الحروب أن الظرف القتالى ﻻ يسمح بالمجادلة والعدو يطرق علينا الأبواب ويقتحمها.

فى الحكم الدينى لا يجوز الجدال مع الله سبحانه.. أن نحاول أو نجرؤ رغم أن الذات الإلهية حسمت القضية برمتها حين قضى الله فى القرآن الكريم بأحقية من يؤمن فليؤمن ومن يكفر فليكفر، والحساب عند الله جنة للمؤمن ونار وخزى للكافر.
المشكلة مع الحاكم باسم الله والحاكم باسم القوة المسلحة، أن مرجعية الاثنين مطلقة التأثير؛ رغم المسافة الشاسعة ما بين الاحتجاج على الناس بالسماء، والاحتجاج عليهم بشريعة الحكم الفرد المطلق، الذى وحده يعرف المصالح العليا للبلاد، ولا تعرفها القلة المندسة عادة.
الحاكم الدينى يحتج فى مواجهة معارضيه، بفهمه للأوامر والنواهى السماوية، وقد يطوعها لمصالحه، أو يفرضها عبر أفقه الضيق وجهله بالمقاصد العظمى من التشريع موضع التوظيف السياسى.
فى الحال الدينى والحال العسكرى يكون الهدف هو الإخضاع.. ومع ذلك فإن الخروج على حاكم باسم القوة الوضعية أهون على الناس قبولاً وتنديدًا من الخروج على حاكم باسم السماء!

فى الحالة المصرية، عاش المصريون 60 عامًا تحت حكم قادة وطنيين، خرجوا من المؤسسة العسكرية، تباين عطاؤهم وأداؤهم، حسب القدرات الخاصة لكل منهم، وحسب الظرف السياسى والدولى المحيط.. فى كل الأحوال لم يكف المصريون عن الحلم بحكم مدنى يجوز فيه مراجعة الحاكم أو تغييره من خلال التصويت الحر المباشر.
حان ظرف تاريخى ارتخت فيه قبضة وأعصاب الحاكم فى السنوات الأخيرة بفعل الركون واعتياد السلطة وغياب الإدراك الصحيح، أو حتى أى إدراك من أى نوع، لحجم السخط المتجمع فى الصدور المحتقنة بالغل والسعى للتغيير.. وقع التغيير وجاء الشارع بحاكم اعتبره الناس واحدًا من بتوع ربنا.. بعد 8 أشهر وأثناؤها كرهت الناس حياتهم ومنهم من كفر بسبب بتوع ربنا، فى سابقة تاريخية مشينة مزلزلة للعقول والأفئدة!

الآن يستجير الناس من"حكم بتوع ربنا" إلى"حكم بتوع زينا" يعنى.. بشر يمكن حسابهم، ومحاكمتهم، والهتاف ضدهم، وكم هتفوا، ودعوا لإسقاط حكم العسكر "يسقط يسقط حكم العسكر"، ثم ظهر أن الهتاف كان لإعلاء حكم المرشد ومرمطة حياة الناس.. الآن يريد الشعب عودة الجيش من جديد لا عودة الحكم العسكرى.. لماذا؟! لأن الدولة فى انهيار والجماعة لا تعنيها الدولة بل يعنيها التنظيم وتغلغله فى شرايينها بحيث تصبح مصر كلها مجرد تنظيم كبير تحت عباءة الإخوان .
الدولة التنظيم، عادة هى الدولة النازية أو الفاشية وكلتاهما تم محوهما بالقوى الديمقراطية.. يلجأ المصريون الآن إلى جيشهم إلى مؤسستهم الوطنية التى لم تخذلهم قط، لأنهم يشعرون بأن الصندوق كان مصيدة سقطوا فيها رهائن بالجملة! ولابد أن العالم كله يعجب إذ يرى شعبًا يستدعى جيشه ليحكمه!

الخوف من المجهول يستدعى المجهول! هذا حالنا.. هذا وضعنا.
نقلاً عن جريدة "فيتو" الأسبوعية.






الجريدة الرسمية