الصدمة!
قد تفرض الظروف في بعض الأحيان على الإنسان الخوض في أحاديث لا يستملحها، والدخول في إجراءات تثير أشجانه وتجدد أحزانه، حاولت تأجيل هذه الأحاديث والإجراءات قدر استطاعتي رحمة بحالتي النفسية بعد وفاة زوجي، لم أفلح في ذلك فقد كان بعض الورثة يستعجلون حصر التركة حتى ينال كل منهم نصيبه كشرع الله كما كانوا يرددون على مسامعي في اليوم التالي للوفاة، لن أطيل في هذا الحديث المحزن فقد انتهى الأمر بصدمة لم يكونوا يتوقعونها فلم يجدوا الملايين ولا مئات الآلاف وإنما بضعة جنيهات لا تسمن ولا تغني.
وذكرني منظر الصدمة على وجوههم بقصة طريفة حدثت لي في نهاية السبعينات من القرن الماضي، تلقت والدتي دعوة لزيارة شقيقي الأكبر الذي كان يشغل منصب المستشار الطبي في سفارتنا بواشنطن واختارتني أمي لأصحبها في هذه الرحلة، سعدت بذلك فلم تكن لتتاح لي مثل هذه الفرصة في أغلب الأحوال.
ورغم طول ساعات الطيران ومتاعب الرحلة فقد كانت والدتي سعيدة لأنها سترى شقيقي الذي كان له وضعه المميز بالنسبة لها، وأيضا سترى أمريكا التي كثيرا ما سمعت عنها ما يدعو إلى الانبهار.
قضينا أياما وأوقات سعيدة في واشنطن بين دعوات شقيقي وزوجته لنا على العشاء في المطاعم الفاخرة وبين التجول في «المولات» و«البوتيكات» من أجل شراء الهدايا للأسرة في القاهرة كما هي عادة المصريين.
عرجنا لشرب القهوة في إحدى كافتيريات المول الكبير وأيضا لتستريح والدتي قليلا حتى يمكننا معاودة التجول وإذا بي أفاجأ بصديقة دراسة لم أكن قد رأيتها منذ سنين. كنت وصديقتي قد تزوجنا في نفس الوقت تقريبا ممن يمتهنان نفس المهنة «الصحافة» ولكنها كانت تنتقل بين القاهرة وبريطانيا حيث يدرس أولادها هناك، وفوجئت أنها قد استقرت أخيرا في أمريكا، أصرت الصديقة على دعوتنا لقضاء اليوم التالي في منزلها احتفاء بي وبوالدتي.
يومها أرسلت السائق بسيارتها «الجاجوار» ليصطحبنا من منزل شقيقي إلى حيث تقيم، الوليمة كانت مبهرة ولكن الأكثر إبهارا كان ذلك القصر الذي تمتلكه وسط حديقة تشغل عدة أفدنة خصص منها جزء لإسطبل الخيول وجزء لحمام السباحة المغطى وجزء آخر لسكن فريق الخدم من الجنسين.
عدنا نقص على شقيقي وزوجته ما رأيناه، وكانت والدتي صامتة حتى بادرتني بسؤالها الأول: هو جوزها بيشتغل إيه؟ أجبتها: صحفي فاستطردت: أمال إنت جوزك بيشتغل إيه؟ بصراحة لم أتبين هل كانت تنتظر مني إجابة.