رئيس التحرير
عصام كامل

العمال والنقابات والبرلمان


لقد أدركت الحركات العمالية في الدول الصناعية الكبرى منذ زمن بعيد، أن المطالبة بحقوقها لا يمكن أن يلقى استجابة إلا إذا كانت الطبقة العاملة ممثلة على الساحة السياسية، ومطالب العمال في هذه الدول لم تقف عند حد المطالبة المهنية فقط بل تجاوزت ذلك إلى النضال في سبيل ضمان دور سياسي فعال للطبقة العاملة، يسعى إلى تحقيق الهدف البعيد بإقامة نظام اجتماعي اقتصادي أكثر عدالة للمجتمع كله.


ومنذ نشأة النقابات الإنجليزية تضع عيناها على ضمان حد أدنى للأجور، يتناسب مع مستوى الأسعار، بما يحافظ على ثبات مستوى المعيشة للطبقة العاملة، وتتميز الحركة النقابية الإنجليزية بأنها استطاعت أن تتفهم أن مهمة النقابات الدفاع عن المصالح المهنية، وأن ذلك يعتمد بالضرورة على المؤسسات السياسية، وأنه لابد أن يكون للعمال تأثير سياسي ليتمكنوا من تحقيق مصالحهم الاقتصادية والمهنية، ومن ثم أنشئ حزب العمال.

واليوم أصبحت معايير التنمية البشرية، وحقوق الإنسان تشغل بال المجتمع الدولي، وبدأت الأمم المتحدة تصدر تقارير سنوية تتناول قضايا التنمية البشرية، التي تؤكد جميعها أن التخطيط الاقتصادي وحده لن يحقق أهدافه، إذا لم يكن في إطار تنمية شاملة.

وأن تفضيل بعض الحقوق على غيرها، وافتعال أولويات وتصنيفات يعتبر عملا غير ملائم، ولا شك أن التجارب التي حاولت معالجة حقوق الإنسان بإعطاء أولوية للحقوق الاجتماعية، أو إعطاء أولوية للحقوق السياسية قد خلقت الكثير من المشاكل، والجور على الحقوق الاجتماعية بما يؤدي إلى الحرمان والإفقار، أو الجور على الحقوق السياسية بما يؤدي إلى الاستبداد والقهر، وبالتالي فلابد من النظر إلى كل من الحقوق الاجتماعية، والحقوق السياسية كسبيكة واحدة غير قابلة للانقسام والتفتيت.

وعندما تحكمت أمريكا كقطب واحد في العالم توحشت الرأسمالية وشاهدنا خطورة توظيف شعار الحقوق السياسية التي اجتزأته أمريكا، وبعض الدول الغربية لفرض الوصاية على العراق الشقيق، ونهب ثرواته، وإذلال شعبه تحت دعاوى كاذبة عن حق مواطني العراق في العيش في مجتمع ديمقراطي، ولا شك أن تعثر برامج التنمية في دول العالم الثالث وتردي حالة حقوق الإنسان في معظم البلدان وتزايد مشاكل الفقر والهجرة الشرعية وغير الشرعية قد دفع المجتمع الدولي إلى الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان بأجياله المختلفة.

•الحقوق المدنية والسياسية.
•الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
•الحق في السلام.
•الحق في العيش في بيئة نظيفة. 

وتجربة غزو العراق خير شاهد، فقد دمرت كل هذه الحقوق تحت شعار إقامة الديمقراطية الحق المجتزأ من مجمل الحقوق.

ولقد جاء الإعلان العالمي للحق في التنمية الذي أصدرته الأمم المتحدة في 4 ديسمبر 1986، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد أن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف، وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما، وأن تتحمل الدولة المسئولية الرئيسية في تهيئة الأوضاع الوطنية لإعمال الحق في التنمية بأجياله المختلفة.

ولقد أكد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، الذي عقد في فيينا عام 1993، على عالمية حقوق الإنسان وترابطها وعدم تجزئتها.

وهذا الاتجاه السائد في العالم يجب أن يدعمه العمال ومنظماتهم النقابية، بعدم السماح بتجزئة هذه الحقوق والتمسك بشموليتها ورفض أي محاولة لاختزالها.

وهذا يتطلب طرح قائمة من الأسئلة المشروعة على الاتحاد العام ونقاباته العامة، التي لو أحسنا الإجابة عليها ربما نقلتنا من خانة المفعول به إلى خانة الفاعل:

- هل حصر النشاط النقابي والعمالي في متابعة قضايا الأجور والأسعار يضمن دوامها وتنميتها بعيدا عن المفهوم الشامل لحقوق الإنسان؟

- هل الاهتمام بالمجال الاجتماعي دون مناقشة الخيارات الاقتصادية وبالتالي السياسية يتفق مع الواقع؟

- هل أهداف العمل السياسي ممكن أن تتحقق دون ضمان المشاركة الحقيقية وضمان النقد واقتراح البدائل؟

-هل يمكن أن تنتهي مظاهر التخلف والفوارق الاجتماعية الحادة دون تغيير في المفاهيم وسياسات التنمية وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان والكف عن ترك العمال على هامش المشاركة ليس أمامهم أي خيارات حقيقية؟

- هل يمكن مواجهة قيم السوق وغيرها من تداعيات ثقافة الليبرالية الجديدة دون الربط بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتدعيم الاستقلال الوطني في العدل والمساواة والكرامة؟

- هل هناك ضرورة لوجود سلطة أخرى هي سلطة المجتمع المدني، تجمع منظمات حقوق الإنسان وجمعيات التنمية والجمعيات النسائية والنقابات؛ كي تعمل على إحداث التوازن مع السلطة الرسمية وتساهم في إرساء ديمقراطية حقيقية، إذا كانت الإجابة (نعم).

-هل المنظمات النقابية العمالية كمنظمات مجتمع مدني وباعتبارات عدد العضوية والانتشار الجغرافي، مستعدة أن تشارك بفعالية مع منظمات المجتمع المدني في إحداث هذا التوازن بين السلطة الرسمية وسلطة المجتمع المدني؟

هل يستطيع العمال أن يتجاوزوا عملية المشاركة بإدلاء أصواتهم في الانتخابات إلى دعم الحياة السياسية بإنشاء (منبر خاص) بهم يحافظ على حقوقهم المستقبلية؟ أو إقامة بنية تفاوضية قوية قادرة على المحافظة على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو تكوين ما يمكن أن نطلق عليه مجازًا الهيئة البرلمانية للحركة النقابية المصرية بمائة عضو على الأقل في البرلمان القادم وهي الفكرة الأقرب للتنفيذ.
الجريدة الرسمية