رئيس التحرير
عصام كامل

يستعبط مش عبيط


كان ضمن الإرث الذى تركه لى أهلى جسر بروكلن المشهور، وهو يدرّ دخلاً عالياً، فالسيارات تدفع أجراً لعبوره، وأنا أريد أن أبيعه للمسئولين الأوروبيين والأميركيين الذين فاوضوا نظراءهم الإيرانيين فى ألما آتا فى قازاخستان الشهر الماضي، ويريدون استئناف المفاوضات بُعيْد منتصف هذا الشهر فى إسطنبول، ثم العودة إلى ألما آتا فى الشهر القادم.


الأقربون أَولى بالشفعة، لذلك سأعرض جسر بروكلن على المفاوضين الأميركيين قبل غيرهم، لأنه فى بلادهم.

ربما احتاجت السطور السابقة إلى شرح، فهناك عبارة رائجة فى اللغة الإنكليزية هى «بيع جسر بروكلن»، ومعناها استدراج مغفل وإقناعه بالتخلى عن ماله بشراء الجسر المشهور.

أرجح أن المفاوضين من الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا ليسوا أغبياء إلى درجة أن يشتروا جسر بروكلن، فيبقى أن أفسّر استمرار التفاوض مع إيران بكلام مصري، هو أن المفاوض الغربى «مش عبيط بس بيستعبَط». والمفاوض الإيرانى سعيد جليلى يرد «مستعبِطاً»، ويزعم أن المفاوضات كانت إيجابية ونقطة تحول.

وهنا أدخل فى «فزّورة» أخرى، فإيران لا تريد شيئاً من المفاوضات فى تطوير عملية تخصيب اليورانيوم لتصل به إلى درجة إنتاج قنبلة نووية. وقد رأينا أخيراً كيف أنها حاولت شراء ألوف من معدات مغناطيسية تستعمل فى أنابيب الطرد المركزى لرفع التخصيب.

ليس ما سبق رأيى وحدي، فثمة إجماع بين المراقبين عليه، ويكفى مَثَلٌ واحد هو عنوان تعليق نشرته «واشنطن بوست» فيما المفاوضون من الطرفين مجتمعون، وهو: «لا تدَعوا إيران تشترى الوقت».

أتوقف هنا لأقول إننى مع برنامج نووى عسكرى إيرانى طالما أن إسرائيل تملك ترسانة نووية، وأحض الدول العربية على السعى مثل إيران لامتلاك القنبلة الذرية، فهذه هى الوسيلة الوحيدة لمواجهة إسرائيل وإيران معاً، أو تتدخل أميركا وأوروبا لتجريد الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وهذا أفضل حل لشعوب المنطقة.

اجتماع الشهر الماضى عقد على خلفية عقوبات إضافية، أكثرها مصرفي، فرضتها الدول الغربية فى الأسبوع الأول من شباط (فبراير) على إيران، ما يحرمها من تلقى ثمن مبيعاتها من النفط نقداً، فتضطر إلى مقايضة النفط بالسلع والمواد التى يحتاج إليها المواطن الإيراني.

وعندما عقد الاجتماع فى قازاخستان، كان العرض الغربى خطوات متبادلة، فتُرفَع العقوبات تدريجاً فيما إيران توقف تخصيب النفط حتى نسبة 20 فى المئة، وتبيع مخزونها من النفط المخصب إلى هذه الدرجة، لأن الاستمرار بعدها يوصل إلى يورانيوم مخصب بما يكفى لإنتاج قنبلة نووية.

هنا أشعر بأننى أستطيع أن أبيع المفاوضين ذلك الجسر المشهور، فإيران لن توقف التخصيب، ولا دليل فى ماضى المفاوضات على مدى سنوات أنها ستفعل، ثم إن اليورانيوم المخصب إلى 20 فى المئة يكفى فقط لتشغيل مفاعل بسيط من نوع ما قدمت إليها الولايات المتحدة نفسها فى آخر أيام الشاه لإجراء تجارب طبية. القنبلة الذرية تحتاج إلى يورانيوم مخصب حتى 90 فى المئة أو اكثر، ولا دليل إطلاقاً اليوم على أن إيران تملك الأجهزة القادرة على إنجاز المهمة.

ماذا يبقى إزاء الدجل، أو العبط المتعمَّد المتبادل من ألما آتا إلى إسطنبول ثم ألما آتا مرة أخرى؟

الولايات المتحدة لا تريد حرباً أو مواجهة عسكرية من أى نوع، وهى تحاول إقناع إسرائيل بالسير معها فى الضغط السياسى والتفاوض لتمنع حكومة نتانياهو من القيام بعمل عسكرى منفرد فى الربيع تجرّ إليه إدارة أوباما. وفى المقابل، إيران لا سياسة عندها غير كسب الوقت، وهى تمضى بإصرار فى برنامجَيْها النووى العسكرى والسلمي. أما الدول العربية... فاشترت جسر بروكلن، وهى تجلس عليه الآن.

نقلاً عن الحياة اللندنية

الجريدة الرسمية