نوال السعداوى.. بضاعة أتلفها الهوى
«السماء مجلس إدارة، ورئيسها هو الله، وقدم استقالته».. الكلمات السابقة لم تكن وحدها حلبة الصراع (التي لم تهدأ يومًا) بين مجمع البحوث الإسلامية والكاتبة نوال السعداوي، بل مجرد جولة من جولات أخرى انتهت بمصادرة كتب المؤلفة ومنعها من النشر.
في رواية «سقوط الإمام»، صالت السعداوى وجالت، وطرحت كل ما كان يدور في جعبتها الطفولية عن الله، فكانت «تراه في وجه أمها شديد العدل»، وحين وجهت لها اتهامات بالتعرض للذات الإلهية، كان ردها: «قصدت من هذا العمل (فضح سلوك الحُكام الفاسدين في الرواية)».
الدكتورة نوال، شبهت في كتابها كُل رجل يمتلِك منصبا في الدولة بـ«الإمام أو الحاكم أو الرئيس الذي يستغل الدين ليضمن بقاءه على رأس السُلطة، ويكون ذلك حماية له ليمارس ما يشاء».
وعلى صدر صفحات كتابها وضعت «السعداوي» كلمات متراصة أثارت جدلا واسعًا حولها، لعل أبرزها: «أصابتنى الطلقة من الخلف وأنا أجرى ومن خلفى مرزوق. قبل أن أنسى الحروف وأفقد التاريخ تذكرت. كنت أرتدى ملابسى كاملة. ورأيتهم يشيرون بأصابعهم إلى وجهي. عورتك هي هذا، وارتج جسدى رغم الموت. قلت من قال لكم هذا؟ قالوا إنها كلمة الله. قلت لكنها كلمة مكتوبة وأنتم لا تعرفون القراءة. سكتوا طويلا. نظر بعضهم إلى البعض. رفعوا عيونهم نحو السماء. أشاروا إلى الصورة المعلقة فوق أقواس النصر.. قالوا سيدنا الإمام رأى الله وعرف كلمته»، وفقًا لما جاء بالكتاب.
وواصلت: «قلت وأين رأى الإمام الله؟.. قالوا زاره الله في المنام. وتذكرت قبل أن تضيع الذاكرة. قلت وأنا أيضًا زارنى الله في المنام، قالوا الله لا يزور امرأة ولا يظهر لها في الرؤيا. قلت زار الله مريم العذراء وهى امرأة. قالوا حدث ذلك مرة واحدة في التاريخ والله منزه عن التكرار. قلت زار الله النبى محمدًا وظهر في الرؤيا لإبراهيم فلماذا يكرر الزيارة للإمام؟.. سكتوا طويلا. نظر بعضهم للبعض. رفعوا عيونهم نحو الصورة المعلقة في السماء وقالوا إنه رأى الله وهم لم يروا الله».
صدرت الطبعة الأولى من رواية «سقوط الإمام» عام 1987 عن دار المستقبل العربي، وتُرجمت إلى 14 لغة منها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والسويدية والإندونيسية، ثم أعادت دار الساقى اللبنانية نشرها عام 2000، وتم منعها من التوزيع في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد ذلك بعدة أعوام.
وعندما أقدم الناشر المصرى الراحل الحاج مدبولى على طبع الرواية عام 2008، صدر قرار من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بمصادرة الرواية، ما دفع الناشر إلى وقف طباعة الرواية، وحرق النسخ التي تمت طباعتها.
مجمع البحوث الإسلامية أوصى كذلك بمصادرة الرواية القائمة على «أحداث خيالية البطل فيها شخصية محورية، وأطلقت عليه الكاتبة صفة الإمام، وتضمنت إساءات بالغة للإسلام وتعاليمه، هذا إلى جانب وصف بعض النقاد للرواية بأنها ذات أسلوب مباشر فج، ولا ترقى إلى مستوى العمل الأدبى الجيد»، طبقًا لما رأه شيوخ المجمع.
حاولت المؤلفة تأكيد أن رواية سقوط الإمام مستوحاة من قصة الرئيس الراحل أنور السادات، الذي وصفته الكاتبة بـ«الحاكم المستبد المستغل للدين في السياسة»، مشيرة إلى أنها كتبت جزءًا من الرواية داخل السجن، عندما اعتقلها السادات مع سياسيين وكتاب ومفكرين في سبتمبر عام 1981، موضحة أنها قصدت بالإمام السادات نفسه، إذ «كان يطلق على نفسه الرئيس المؤمن، وقصدت فضح سلوك الحكام الفاسدين».
مجمع البحوث الإسلامية تمسك بأن الكاتبة نوال السعداوى تعرضت للذات الإلهية بـ«عبارات لا تليق بالله، ولا يقبلها أي دين من الأديان السماوية، فالله له صفات لا يجوز أن يعتدى عليها أحد ولا يجوز أن يجسده أحد، فعندما تقول إن الله قدم استقالته فهل معنى ذلك أنه لا يوجد الله بعد ذلك؟!.. فلا يمكن أن نصف الله الذي نعبده بصفات بشرية.. كيف لنا أن نصف السماء بأنها مجلس إدارة وأن الله يقدم استقالته منها؟».
هناك فرق بين الحرية وبين هدم مقومات المجتمع، بحسب ما جاء في تقرير مجمع البحوث الإسلامية عن «سقوط الإمام»، مشددًا على أن كتابا واحدا كفيلًا بأن يعبث بعقول الكثيرين، فالكاتبة لها خيال جامح جعلها تتحول من طبيبة إلى كاتبة ولكن كتاباتها فيها نوع من الخروج عن الشرائع السماوية، فالإله هو اسم من أسماء الحسنى، والله ليس مثله شيء، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِى فِى السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِى الأرْضِ إِلَهٌ)، كما ذكر في القرآن الكريم (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)، إذًا فالله له يد ولكن ليس مثله أحد.
الدكتورة نوال السعداوى شنت هجومًا مضادًا على مجمع البحوث الإسلامية، ورأت أن الأزهر ترك كتب الجنس الرخيصة تُباع على الأرصفة و«ماسك في كتبها»، مشيرة إلى أن مؤلفاتها تتعرض للمصادرة منذ عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
هجوم «السعداوي» طال المجلس الأعلى للثقافة، متهمة إياه بالمشاركة في المصادرة، وأن لجنة القصة بالمجلس تضم أشخاصًا بعضهم لم يكتب قصة واحدة في حياته، مدافعة عن كتاباتها، بقولها: «إنها تنطوى على نظرة إنسانية للجنس لا تتضمن أي إثارة، ومصادرة كتبها تعنى تحريضًا للتيارات المتطرفة ضدها».
«سقوط الإمام» ليست أولى مؤلفات الكاتبة نوال السعداوي، التي تتعرض للمصادرة، فسبق وتم منع عدد من مؤلفاتها، لما فيها من إثارة للجدل، بالإضافة إلى سعيها المستمر إلى كسر كل التابوهات، ومن بين هذه المؤلفات كتب: «أوراق حياتي»، و«قضايا المرأة والفكر والسياسة»، و«الحب في زمن النفط»، و«الوجه العارى للمرأة العربية».
أما كتابها «المرأة والجنس» فكان سببًا في اعتبارها «ملحدة»، وصدر قرار بمنع هذا الكتاب في مصر، ما دفعها إلى إصداره في لبنان عام 1972.
والدكتورة نوال السعداوى واحدة من أكثر الكتاب إثارة للجدل، تخرّجت في كلّية الطب جامعة القاهرة، وعملت عام 1955 كطبيبة امتياز بقصر العيني، ثم فُصلت بسبب آرائها وكتاباتها، فتوجهت للعمل بالأمم المتحدة كخبيرة في شئون المرأة وبرامج التنمية في الدول الأفريقية ثم العربية، منذ عام 1978، وقدّمت للمكتبة العربية أكثر من 40 كتابًا تمّت ترجمتها إلى 30 لغة.
ومن بين آرائها المثيرة، قولها: «حجاب المرأة نشأ في العصر العبودي.. وتحجب المرأة موروث تقليدى قديم مأخوذ من اليهودية.. ولا علاقة بين الحجاب والإسلام»، وكذلك حديثها عن أن «نصف مناسك الحج مأخوذة من الوثنية، أنا نفسى أعرف بيضربوا إبليس إزاي؟ ونفسى أعرف بيعبدوا الحجر الأسود ليه، الحج يا جماعة عادة وثنية موروثة من عبدة الأصنام».
تعرضت للعديد من الأزمات في حياتها بسبب آرائها الصادمة، التي أثارت استياء وغضب الكثيرين، فتعرضت نوال للسجن في 6 سبتمبر 1981، كما تعرضت إلى النفى نتيجة لآرائها ومؤلفاتها، بالإضافة إلى أنه تم رفع دعاوى قضائية ضدها من قبل إسلاميين مثل قضية الحسبة للتفريق بينها وبين زوجها، وتم توجيه تهمة «ازدراء الأديان» لها، ووضع اسمها على ما وصفت بـ«قائمة الموت» التي حددتها بعض الجماعات الإسلامية، وتم تهديدها بالقتل.
وفى اليوم العالمى للمرأة عام 2011، اختارتها مجلة نيوزويك الأمريكية ضمن قائمة تضمنت 150 امرأة من مختلف دول العالم وصفن بكونهن سيدات العام اللاتى حركن العالم، وتمثل سبب اختيارها من قبل المجلة في مجهوداتها الكبيرة في الدفاع عن حقوق المرأة المصرية والعربية، بالإضافة إلى دورها البارز في مشاركتها في الثورة المصرية، واعتصامها مع شباب ميدان التحرير رغم تجاوزها سن الثمانين.
وفى عام 2007 تم توجيه اتهام لـ«السعداوي» وابنتها الشاعرة والكاتبة منى حلمى بـ«الردّة» بسبب كتاباتهما لتكريم اسم الأم، غير أنّ جهودهما هذه أدّت في الوقت نفسه إلى سنّ قانون جديد للطفل في مصر عام 2008 يقضى بمنح الأطفال الذين يولدون «خارج الزواج» الحق في حمل اسم الأم إضافة إلى حظر ختان الإناث.