رئيس التحرير
عصام كامل

مصيبة سيناء السوداء


عندما أسمع عن الإعلان عن ولاية سيناء التابعة للخليفة البغدادي زعيم داعش، أتحسس رأسى حتى لا يخلع البرج الباقى، وأضع يدى على قلبى خوفًا على مستقبل الوطن، ثم أهرع إلى الفضاء الإلكترونى لعله يأتينى بالخبر اليقين، بعد أن فقدت حاستى السمع والفهم من فضائيات صار شعارها "اللى يحب النبى يجَعَّر"!


أسفر الطواف على المواقع الإلكترونية عن يقين بأن هناك في سيناء تنظيمات إسلامية مسلحة يطلق عليها رسميًا تنظيمات تكفيرية.. في منعطفات المواقع أعثر في سيناء أيضًا على مافيا تجارة البشر والمخدرات والسلاح.. وهناك في سيناء شباب هم ضحية متناقضات مذهلة على أرض مساحتها 61 ألف كيلومتر مربع تعادل ثلاثة أمثال دول محيطة بنا.

دعونا لا ندفن رءوسنا في الرمال كالنعام، ولنعترف بأن في سيناء قرى متناثرة مازالت شكلًا وموضوعًا خارج سيطرة الدولة.. بقع مترامية صارت مكامن آمنة لزراعة المخدرات وتجارتها، كما صارت سوقًا لتجارة البشر الفارين من مجاعات أفريقيا.. وأضحت مخبأً ومنطلقًا لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.

هناك مساحات شاسعة بلا إشغال، ومساكن لا آدمية من القش والشعر، وطرق مَرَّت على تعبيدها عقود دون تجديد، وشبكات مياه مهجورة وكهرباء غير موجودة أو متهالكة.. ومازال أهالي سيناء في مناطق عديدة يعانون من تراجع التعليم وصعوبة في الحصول على مياه صالحة للشرب، وغير ذلك من المشاكل.. والسؤال ما تأثير ذلك في شباب سيناء على وجه التحديد؟

الشباب هم أول ضحايا تلك المتناقضات.. وهم فتيل الأزمة المتوطنة هناك، حيث تحل مافيا التهريب محل الدولة في توفير فرص للكسب، أو يشدهم اليأس إلى الارتماء في أحضان التنظيمات التكفيرية المسلحة.

ما قصدته مما سبق.. أن المعركة الحقيقية في سيناء هي معركة تنمية بالأساس.. معركة مشروع تنموى واعد تم تدشينه منذ أوائل الثمانينيات وحالت ظروف عديدة دون إتمامه على النحو المطلوب والمبتغى، وليس معنى ذلك أن نبكى على اللبن المسكوب، بل نبدأ وفورًا في استئناف العمل قبل أن نفقدها إلى الأبد.. ولن تنجح الدولة في معركتها مع الإرهاب في سيناء إلا بتعمير الشريط الحدودى بالزراعة والبناء، وإصدار قرارات واضحة بتمليك أبناء القرى الحدودية لأراضيهم ومساعدتهم في تعميرها.. ساعتها لن يفكر أبناء سيناء في اللجوء إلى مافيا تجارة البشر والمخدرات والسلاح، ولن يلجئوا إلى سراديب ومغارات التنظيمات التكفيرية.. علينا أن نبدأ فورًا سباقًا مع الزمن حتى ننتشل أبناء سيناء من "الأنفاق"!
الجريدة الرسمية