رئيس التحرير
عصام كامل

مياه النيل تقتل كل شيء حي.. مذكرة لوزير الزراعة تؤكد تلوث المياه بالصرف الصحي.. ميكروبات تسبب التسمم الغذائي في الدلتا..وباحثون بمتبقيات المبيدات: المعمل أكد سلبية النتائج وتحاليل مستقلة أثبتت الكارثة


فجّرت مذكرة مقدمة إلى وزير الزراعة أسباب كارثة نفوق الأسماك في نهر النيل، بعد أنّ تزايدت الظاهرة في السنوات الأخيرة في أكثر من منطقة خاصة في رشيد ودمياط وكفر الشيخ والبحيرة.


ففى يونيو الماضي تقدمت لدكتورة رانيا محمد إبراهيم الباحثة بالمعمل المركزى لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية ومبارك مصطفى عبد الحميد اختصاصى زراعى بذات المعمل بمذكرة إلى الدكتور "أيمن أبو حديد" وزير الزراعة السابق عن واقعة خطيرة حدثت داخل المعمل.

9 عينات
وتقول الدكتورة رانيا محمد إنّه بتاريخ 22 يناير 2014 قام فريق من المعمل بسحب 9عينات من مياه نهر النيل وفروعه في كفر الشيخ ودمياط وأماكن أخرى شهدت نفوق كميات كبيرة من الأسماك، لإجراء التحليلات الميكروبية وبعض التحاليل الأخرى الخاصة بالعناصر الثقيلة والمبيدات، لكن كانت المفاجأة في تحديد إدارة المعمل أنواعا فقط من الميكروبات للكشف عنها وتحليلها وهذه الميكروبات هي السالمونيلا والإشيريشيا كولاى O104 في 6 من العينات، والسالمونيلا والإيشيرشيا كولاى O104وO157 فى 3 عينات وذلك عن طريق جهاز Real Time PCR.

و أشارت الدكتورة رانيا إلى أنّه على الرغم من خطورة هذه الميكروبات وإحداث الشيريشيا كولاى O104 ضجة سابقة، إلا أنّه توجد العديد من الأنواع الأخرى من الميكروبات التي لا تقل عنها أهميّة والتي لها تأثير سلبى وخطير على صحة الإنسان. وأنّه في مثل هذه الحالات الخطيرة من التلوث الشديد المؤثر على حياة الكائنات الحيّة، المصلحة العامة تقتضي البحث الشامل في المسببات عن طريق الكشف عن الميكروبات.

وتتابع الدكتورة رانيا أنها بمجرد ورود تلك العينات إلى قسم الميكروبيولوجى في المعمل شعرت هي وزميلها في المعمل مبارك مصطفى بوجود مشكلة صحية وبيئية خطيرة في مياه نهر النيل، وقررا إجراء تحليلات لميكروبات أخرى يشير وجودها بنسب معينة في المياه إلى تلوث نهر النيل بالصرف الصحى وهذه الميكروبات هي مجموعة البكتيريا القولونية والإشيريشياكولاى والإنتيروكوكاس فيكاليس، وبالفعل تمت التحليلات على الـ9 عينات التي وردت إلى قسم الميكروبيولوجى بالمعمل المركزي لتحليل متبقيات للمبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية، وأعطت جميعها نتائج إيجابية تؤكد أن مياه نهر النيل ملوثة تلوثًا كبيرا بمياه الصرف الصحى. ووفقًا للتحليلات التي أجرتها الدكتورة رانيا ومبارك فإنّ نسب تلوث مياه النيل بتلك الميكروبات فاقت الحدود المسموح بها سواءً لمياه الري، المياه المستهلكة بواسطة المواشي والدواجن أو المياه التي تعيش بها الكائنات البحرية التي يستهلكها الإنسان. بينما جاءت تحليلات ميكروبات السالمونيللا والإشيريشيا كولاي O104 بالإضافة إلى Verotoxin/shiga-like toxin genes التي قررت إدارة المعمل تحليلها سلبية بالنسبة لكل العينات (9 عينات)

تسمم غذائى

وتحذر الدكتورة رانيا من وجود الميكروبات التي كشفت تحليلاتها عن وجودها بمياه النيل، لأنّها علميًا تؤدى إلى التسمم الغذائى، وأن تقارير وأبحاثا عدة أكّدت تورط تلك الميكروبات في حالات التسمم الغذائى القاتلة ومنها ميكروب الإنتيروكوكاس فيكاليس وهو من أهم الميكروبات التي تستخدم في الكشف عن وجود تلوث بمياه الصرف الصحى ناهيك عن الدور الخطير الذي لعبه هذا الميكروب في انتشار حالات التسمم العذائى،وتضرب الدكتورة رانيا المثل بأنّه في عام 1998 أدّت الإصابة بميكروب الإنتيركوكاس في الصين إلى وفاة 12 حالة بشرية من بين 40 حالة مصابة وقد جاء هذا الحدث بعد أن انتشرت الإصابة بالميكروب بين الخنازير المنزلية في إحدى القرى والتي سرعان ما انتشرت إلى العديد من الأماكن المجاورة.

وتؤكد الدكتورة رانيا أنّ التقارير المختلفة تؤكد ارتباط ميكروب الإنتيركوكاس وسرطان القولون والمستقيم بالإضافة إلى سرطان الفم، كما ارتبط هذا الميكروب بحالات التهاب بطانة القلب. بالإضافة إلى ظهور وانتشار سلالات من هذا الميكروب مقاومة للمضادات الحيوية مثال الفانكوميسين والجينتاميسين.


الوزير السابق يحيل المذكرة للبحوث الزراعية

فيما قال مبارك مصطفى اختصاصى زراعى بقسم الميكروبيولوجى بمعمل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية إنّ المذكرة وقتما عرضت على الدكتور "أيمن أبو حديد" وزير الزراعة السابق يوم 2 يونيو 2014 لاقت اهتمامًا كبيرًا منه قام على إثره بالتأشير عليها بالأهمية العاجلة وتحويلها إلى الدكتور عبد المنعم البنّا رئيس مركز البحوث الزراعية الذي قام بدوره باستدعاء الدكتورة رانيا وأبلغها أن مذكرتها مهمة جدا وفى غاية الخطورة وأنّها ستكون قيد البحث والدراسة، لكن لم يحدث أي تحرك من بعد تلك المقابلة التي رحل بعدها أبو حديد عن وزارة الزراعة، ليقوم مبارك والدكتورة رانيا بعمل "استعجالين" للرد على المذكرة في مكتب الوزير الدكتور عادل البلتاجى، وجاء الرد من الدكتور عبد المنعم البنّا ود. أشرف المرصفي مدير المعمل "محدش قال لهم يعملوا حاجة".


ويضيف مبارك أنّهم سلموا نسخة من المذكرة إلى مكتب الوزير الحالى الدكتور عادل البلتاجى وأكّدت لهم المهندسة عايدة غازى مديرة مكتب الوزير أنّ الملف قيد الدراسة قبل أنّ يؤكد الدكتور على إسماعيل مدير مكتب شئون الوزير ورئيس قطاع الهيئات والشركات بالوزارة أنّ المذكرة تم تحويلها إلى التفتيش والمراقبة بالوزارة، بينما قال الدكتور على إسماعيل لفيتو إنّه لا يعلم شيئا عن تلك المذكرة وإنّها من اختصاص الهيئة العامة للثروة السمكية.
تجاهل مجلس الوزراء
مبارك لم يكتف بمذكرة وزير الزراعة بل تقدم بها إلى مجلس الوزراء وحملت رقم 204834 وانتظر طويلًا ولم ينل الرد إلّا بعد تقديم استعجال للشكوى، وهو ما دفع مكتب شكاوى مجلس الوزراء للاتصال به بشكل عاجل وإبلاغة أنّ شكواه دُرست وكان الردّ "خلاص إحنا بطلنا نرمي مخلفات وصرف صحّي في النيل"، وأمام ذلك الرد يقول مبارك إنّه طلب من المتحدث ردا رسميا بذلك ليرفعه لرئاسة الجمهورية ولكن الإجابة كانت أنّ ذلك يحتاج إلى تقديم طلب رسمى والانتظار، وقد قام مبارك بتقديم طلب رسمي برقم 233336 بتاريخ 1 يوليو 2014 وما زال ينتظر.

ومن جانبه قال الدكتور محمد فتحى مستشار وزير الزراعة للثروة السمكية والرئيس الأسبق للهيئة العامة للثروة السمكية لفيتو إن هناك 7 مليارات متر مكعب من مياه الصرف الصحى تلقى سنويًا في مياه البحيرات الشمالية فقط "البرلس – المنزلة – مريوط – إدكو"، وهو ما يسبب نفوق الأسماك دوريًا حسب تأكيدات مستشار الوزير
الجريدة الرسمية