رئيس التحرير
عصام كامل

عندما يسكن الموت رغيف العيش.. "حساسية القمح".. مرض غامض يصيب الكبار والصغار.. العلاج لايزال لغزًا محيرًا للأطباء.. أعراضه إسهال مستمر وقيء.. دقيق بلا "جلوتين" بـ145 جنيهًا للكيلو

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


يعانى الكثيرون من مرض الحساسية ضد الجلوتين، الأطفال والكبار، وقد يحدث في أي سن ويسبب "مغصًا" مزمنًا يلازم المريض، سارة كانت إحدى ضحايا هذا المرض الذي اكتشفته قبل 7 سنوات ولم تكن بلغت وقتها الـ6 سنوات، كانت تعانى من إسهال وأحيانًا قيء مستمر لمرة أو مرتين في الأسبوع.


حجم الألم الذي يسببه المغص لا يستطيع أحد أن يتخيله سوى سارة نفسها، التي تروى والدتها أنها كانت تنعزل وحدها في غرفتها لتبدأ في البكاء من شدته.

حساسية الجلوتين
احتارت الأسرة المكونة من أم وأب وثلاثة أبناء، في أسباب معاناة ابنتها، فلجأت إلى التحاليل الطبية التي أكدت أن الطفلة مريضة بالقولون العصبى، ليستمر الإسهال والقيء والإنهاك من أقل مجهود، قبل أن تتطور الأعراض إلى نزيف "شرجى"، وهو ما اضطرت أمامه الأم إلى التوجه إلى طبيب آخر وإجراء تحليل للغدة الدرقية وآخر خاص بحساسية القمح أثبت إصابة سارة بحساسية الجلوتين.

انقلبت حياة الأسرة رأسا على عقب، فالابنة الكبرى ممنوعة من حبات القمح والشعير والشوفان، تقول سارة إنها تحتاج الدخول إلى الحمام بمتوسط 10 مرات في اليوم بسبب الإسهال الذي يسببه الجلوتين وبوصف أدق مادة "الألفا جليادين" إحدى مكونات الجلوتين "بروتين القمح" والذي يؤثر على المخاط المبطن للأمعاء فيؤدي إلى تلف الأهداب المبطنة للأمعاء الدقيقة ويفقد الجسم للفيتامينات والمعادن والسعرات الحرارية ويؤدي إلى سوء التغذية بالرغم من كفاية الطعام.

مرض الصغار والكبار
ويصيب مرض الحساسية ضد الجلوتين الأطفال والكبار وقد يحدث في أي سن، ويظهر عندما يتعرض الطفل لأول مرة لتناول الأطعمة المحتوية على الجلوتين في عمر من 3: 4 شهور، ومن أعراض هذا المرض "الإسهال – نقص الوزن – الأنيميا"، وتوجد أعراض أخرى مثل الغثيان – انتفاخ البطن – الاكتئاب – القلق، كما يزداد وزن الأطفال المصابين بحساسية الجلوتين ببطء أي أقل من المعدل الطبيعي، كذا يعانون فقد الوزن والشهية، وهذا العرض الأخير وصل بوزن سارة وهى في عامها الـ11 إلى 23 كيلو جراما فقط.

داء بلا دواء
حساسية القمح داء لم يتم اكتشاف دواء له إلى الآن، تلك المعلومة التي هبطت كالصاعقة على "منال" بعدما تخيلت وضع ابنتها لسنوات مقبلة بلا علاج، فالحل الوحيد هو الامتناع عن منتجات القمح والشعير والشوفان.

التوابل المطحونة
ليس هذا فقط بل إن هناك بعض الأطعمة التي يستخدم فيها الدقيق على غير العادة وبنسب ضئيلة تسبب تهيج الأمعاء الدقيقة كمعجون الطماطم و"الطعمية" والتوابل المطحونة خارج المنزل بإضافة بعض من الدقيق بعد طحنها، وأنواع أخرى كـ"المايونيز والكاتشب والمسطردة" وبعض أنواع الشوكولاتة عدا نوعين تجاريين شهيرين، فكل تلك المنتجات تستخدم في بعض الأحيان الدقيق خلال عملية التصنيع بكميات ضئيلة لكنها كفيلة بتجديد المأساة.

أختان تعانيان المرض
لم يختلف الأمر كثيرًا مع منة، 11 سنة، ابنة "منال.أ"، وشقيقة سارة التي اكتشفت والدتها مرضها بحساسية القمح مبكرًا بعد أن داهمتها أعراض الحساسية قبل شهور من هذا العام، لتنضم إلى منظومة التشديدات والمحاذير التي تتبعها شقيقتها سارة، "منة" تشعر بالسعادة رغم مرضها لتفهُّم أصدقائها في المدرسة طبيعته، فهى لا ترى أن هناك أزمة مع مرضها الذي يضاف إليه مرض السكر المصابة به منذ صغرها، إلا أزمة "الحمام" فهى ككل المصابين بحمى القمح لا غنى عن الحمام تحت أي ظرف، فالإسهال ملازم لكل مصاب، وهى الأزمة التي جعلت منال تتمنى لو كانت حصلت على شقة بحمامين..!

أطفال لا تعرف المكرونة
لم ينسحب أثر حساسية الجلوتين على الشقيقتين المصابتين بالمرض فقط، فمنتجات القمح عامة أصبحت من المحرمات في منزل أسرة "منال" فالمكرونة لم تعرف طريقها إلى المنزل منذ ما يزيد على السبع سنوات، إلى جانب حرمان الأب والأم لنفسيهما من كل لذة "القمح" في الدنيا، التي تؤكد منال أنها أخذت معها كل شيء جميل من الحياة، يكفى أن محمد الابن الأصغر في الأسرة لا يعرف ما معنى كلمة "مكرونة"، ويوم أن عرضت عليه لم يستسغها ورفضها لغرابة شكلها بالنسبة له.

الكيلو بـ142 جنيهًا
محمد هو الآخر مصاب بداء السكر وحساسية البحر المتوسط ويصاب بنفس نوبات الإغماء وبرودة الأطراف التي تصيب شقيقته سارة، وتترقب منال يوما بعد آخر أن تظهر عليه أعراض حساسية الجلوتين، لكنها تحرص أن يتناول في أغلب طعامه ما تتناوله شقيقتاه من مخبوزات وأطعمة خالية من الجلوتين والتي تعدها الأم من دقيق مخصوص تنتجه إحدى الشركات المصرية لتيسير الحياة على مرضى حساسية الجلوتين، وهو ما يوفر للأسرة ما يمكن أن تتكبده من عناء مادى مقابل إطعام أبنائها كيلو جرامًا من الدقيق المستورد والخالى من الجلوتين مقابل 60 جنيهًا.

وهو صنف إيطالى ويعتبر الأرخص بين أربعة أخرى منها الأمريكى والأسترالى والإنجليزى والتي تتجاوز أسعارها النوع الإيطالى، ولا يتخيل أحد أن عبوة بسكويت أربع قطع خالية من الجلوتين بوزن 125 جراما سعرها 26 جنيها وعبوة أخرى من المكرونة زنة كيلو جرام واحد يبلغ سعرها 142 جنيهًا وهو ما يلقى عبئا ثقيلا على أي أسرة بسيطة يصاب أبناؤها بذلك المرض الذي من الممكن أن تتجدد أعراضه لمجرد استنشاق بعض الحالات غبار الدقيق في حالة إصابتهم بحساسية مفرطة.

20 جزءًا من المليون
من جانبه، قال الدكتور عيد أحمد محمد، أستاذ تكنولوجيا الغذاء بمعهد البحوث الزراعية والمستشار العلمى لشركة مصرية تنتج الدقيق الخالى من الجلوتين، إن مسببات المرض من مادة الجلوتين دقيقة جدًا تصل إلى 20 مليون جزء من المليون من مادة الجلوتين في حبة القمح، وإن عزل الجلوتين من القمح نهائيًا أمر مستحيل وبتحويله إلى نشا فإن بقايا من المادة ستبقى مرتكزة في النشا لا يمكن إزالتها بأى وسيلة متطورة، مؤكدا أن عدد المصابين حتى الآن يتجاوز الـ900 ألف حالة.

دواء على الطريق
حسام محمد الجميل، الباحث المؤقت بقسم الخبز والعجائن بمركز البحوث الزراعية، والذي شغله أمر حساسية الجلوتين بعد أن شاهد حالات وصفها بالمأساوية في مستشفى "أبو الريش" للأطفال، أعد مشروعا بحثيًا ما زال في طور التطوير، وذلك عن طريق استخراج أحد الإنزيمات من بعض المصادر لتحليل مادة "الجليادين" والألفا جليادين قبل وصولهما إلى المعدة ليتمكن المريض من تناول القمح بحرية دون الخوف من أثر الجلوتين.

أبحاث جديدة
ويفسر حسام بحثه الذي يعتبر انطلاقة رسالته للدكتوراه، قائلا: "الفكرة تعتمد على استخراج إنزيم "البروتيز" الذي يستخرج من القمح نفسه أو من سوسة النخيل أو بعض المصادر الميكروبية، وفى حالة استخراج البروتيز من سوسة النخيل يؤخذ من معدة يرقاتها في عمر من 6 إلى 12 يومًا، ثم يتم وضعها تحت اختبارات علمية مقارنة بالبروتين واختيار العينة الأعلى نشاطًا وإضافتها إلى الجلوتين واختبار نسبة تحليله للجلوتين، وخضع للتجربة إنزيم البروتيز المستخرج من المصادر الثلاثة السالف ذكرها وحققوا نتائج جيدة وأكثرها كان الإنزيم المستخرج من سوسة النخيل".

ويوضح حسام الجميل، أن فكرته ليست بجديدة ولكنها تخضع لتطبيقات متطورة في الولايات المتحدة الأمريكية على أمل الحصول على دواء يقضى على الجلوتين بنسبة 100% قبل تناول القمح، لكن منذ أكثر من سنتين وحتى الآن لم يصل العلماء هناك إلى نتيجة نهائية، لخطورة طرح أي علاج لا يقضى على الجلوتين بنسبة 100%، ويأمل أن يستطيع إكمال بحثه رغم قلة الإمكانيات وتأخرها في مصر.
الجريدة الرسمية