براءة مبارك ورجاله
يحق للمجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي أن يفرح ويهنأ بصدور حكم البراءة لمبارك ونجليه ورجاله..لماذا؟ لأن المجلس العسكري استطاع، في الفترة التي أدار فيها شئون البلاد، أن يضحك على الجميع، الإخوان والثوار والشعب..المجلس العسكري، بطبيعته وتركيبته ومنهجه، محافظ.. يعنى لا يتسق مع الثورات وما تتطلبه من إجراءات مفاجئة وتغييرات حادة في المناخ العام، السياسي والاقتصادي والاجتماعى.. وقد استغل المجلس انتهازية الإخوان ليعقد معهم صفقة، بل صفقات للمحافظة على نظام مبارك بكل سوءاته وقبحه ودمامته..
وقد تبدت هذه الصفقات في مجموعة من المواقف:
أولها: موضوع التعديلات الدستورية التي بعثت الحياة في دستور سقط بفعل الثورة.. وكانت مهزلة "غزوة الصناديق"، وانقسام المجتمع المصرى إلى "فسطاطين"؛ إسلامى وعلمانى(!)..
ثانيها: صدور إعلان دستورى من المجلس العسكري لم يتم الاستفتاء عليه..
ثالثها: وقوف الإخوان بجانب المجلس العسكري لعدم التغيير، ولا ينسى أحد ذلك الهتاف الذي كان يردده الإخوان بأن المشير هو "الأمير"، وجمعة الوقيعة بين الشعب والجيش..
رابعها: صمت الإخوان على مذابح: ماسبيرو، ومحمد محمود (١)، ومجلس الوزراء، واستاد بورسعيد، ومحمد محمود (٢)..
خامسها: شرعية البرلمان في مواجهة شرعية الميدان..
سادسها: عرض الإخوان بالخروج الآمن للمجلس العسكري، ودفع ديات لشهداء الثورة ومصابيها..إلخ.
وقد استغل المجلس العسكري سذاجة الثوار وظل يناور معهم، في عقد اجتماعات ومؤتمرات، إلى أن أنهكهم واستنفد قواهم، بل أوقع الانقسام بينهم..ومن ناحيتهم، فرح الثوار بإطلالاتهم المضحكة على شاشات الفضائيات، والحوارات التي عقدوها في برامج "التوك شو" والصحف، دون وعى ورؤية، وبمنأى عن أي عمل جاد في استثمار خروج الشعب وقيامه بالثورة..لقد كان فقدان التواصل مع الشعب، وعدم الالتحام به، والفشل في تشكيل أوعية سياسية تصب فيها قواه، كل ذلك أدى إلى إهدار طاقات الشعب الثائر، وبالتالى عدم قدرته على إحداث التغيير المنشود الذي قامت من أجله الثورة.
وقد رضى الثوار والإخوان، والشعب من وراءهم، بمحاكمة مبارك ونجليه ورجاله على قضية قتل المتظاهرين، وتصدير الغاز لإسرائيل، وفيلات شرم الشيخ، والتي تم الحكم فيها بالبراءة كما كان متوقعا..في الوقت ذاته، تركوا قضايا خطيرة ومهمة مثل: الفساد المالى والإدارى والاجتماعى، تخريب العقل المصرى، تزوير إرادة الشعب على مدى عقود كاملة، وتهميش دور مصر المحورى على المستويين الإقليمي والدولى..إلخ. غير أن الذي يدعو إلى الدهشة هو أن المستشار فكرى خروب، الرئيس بمحكمة الاستئناف الإسكندرية تقدم ببلاغ ضد الرئيس المخلوع حسنى مبارك بتهمة الخيانة العظمى منذ أبريل ٢٠١١، ولا يعرف عنه شيئا حتى الآن (صحيفة "الشروق" القاهرية في ٣ ديسمبر ٢٠١٤)
لقد كان من الضرورى أن تكون هناك محاكمات ثورية، أو على الأقل محاكمات وفق قوانين العدالة الانتقالية..لكن الجميع تواطئوا على تجاهل ذلك، وتمت محاكمة مبارك ورجاله وفق القوانين والإجراءات العادية..ومن ثم كان لابد أن يحصلوا على البراءة..فلماذا الغضب إذن؟! أولى بالغاضبين أن يلوموا أنفسهم، وأن يبكوا حالهم وسوء تقديرهم، فقد أضاعوا الثورة، ودماء الشهداء والجرحى والمصابين..لقد تم إجبار مبارك على التنحى، لكن بقى نظامه كما هو..فهل قامت الثورة من أجل تنحية مبارك، أم لتغيير نظامه؟!