عفوا.. المستقبل لن يرحمنا
عفوا.. المستقبل لن يرحمنا لأن عواطفنا جياشة، ولأننا أحلامنا كبار، وقلوبنا دافئة، بينما لا نحكِّم عقولنا في قراراتنا. المستقبل لن يرحمنا لأن الشباب يحمل في أحلام يقظته واقع الدول الأوربية في الرفاهية، والدول الخليجية في الرواتب، دون أن يقارن نفسه كمهارات وأداء ونضال تاريخي بما مرت به أوربا، ودون أن يحلل الموارد الطبيعية والكثافة السكانية لمصر مقارنة بدول الخليج، ليعيش الكثيرون على وهم شعبي يفترض أن مصر دولة غنية خيراتها منهوبة فقط، دون أن يلقى باللوم والمسئولية على مئات بل ملايين الممارسات من مواطنين كثيرين يدمرون يوميا ثروات مصر الاقتصادية من زراعية ومائية وغيرها.
المستقبل لن يرحم شيوخا كانوا يعتقدون أن احتكارهم لإدارة الأمور، وعدم فتح الباب لكوادر شبابية لكي تتعلم فن الإدارة، مما دمر مهارات القيادة والرؤية وخلق حالة من حالات ضيق الصدر، وعدم الاستبصار عند أجيال كثيرة، نجني قدرا من ثماره الآن، فما بالك بما قد نجنيه في المستقبل؟
المستقبل لن يرحم موظفين لا يعرفون العلاقة بين تجمدهم وتعنتهم في تطبيق لوائح وقوانين على البسطاء، وتسهيلهم الأمر على الوجهاء، ثم هم أنفسهم أول من يشكون من صعوبة الحياة والعيش، المستقبل لن يرحم معلما يحرص كل الحرص على تفريغ عقول طلابه من التفكير وتحويلهم لحصَّالات نقود في منزله، وتحويلهم لشرائط كاسيت في قاعة الدرس، ثم يشكو من عدم وجود طبيب ماهر، أو مهندس محترف، أو محام متمكن قانونيا، إنها بضاعتك ردت إليك، وردت لكل المجتمع المصري.
المستقبل يحتاج لتخطيط وبناء واستعداد منذ الآن حتى نجد ثمرة في الغد، لا ثمرة يمكن أن نجنيها الآن، لأننا لم نعمل بالأمس، وضياع اليوم هو ضياع الغد، والتخطيط من اليوم هو بادرة أمل للمستقبل، لماذا لا يبدأ كل فرد منا بالتخطيط لمستقبله هو أولا، وبمحاولة تنمية ذاته وقدراته ومهارته ثانيا؟ ونطالب جميعا بأن تكون هناك رؤية واضحة للمستقبل ثالثا، ويعمل كل منا على أن يرى واقعا أفضل في المستقبل القريب والبعيد أخيرا.
وأذكر أن أولادنا لن يرحمونا إذا لم نوجد لهم مستقبلا يمكنهم العيش فيه، وأذكر أننا إلى الآن لا نجيد إلا فن الشكوى واجترار الأماني.