ثلاث مصالحات !
بعد انتهاء حكم الإخوان ظهرت دعوات إلى المصالحة وعدم إقصاء الإخوان. كان واضحًا من الحديث أن يتم التفاوض معهم باعتبارهم قوة مستقلة. كنت أنا من المنادين بأنه لا مصالحة ولا إقصاء. بمعنى أن تنتهي مطاردة الإخوان وتترك لهم الفرصة للحياة وسط الشعب المصري في ظل القانون السائد، ومن يخرج على القانون يعاقب مثل أي مواطن وتنتهي القصة. مع الوقت انتهت دعوات المصالحة وصار الإرهاب علامة على الإخوان ومشى الجميع، النظام والإخوان، في طريق اللاعودة. ورغم أن هذا الطريق يتضح فيه لأي شخص أن الإخوان هم الخاسرون في النهاية لضياع رصيدهم عند الشعب، فإن هكذا جرت الأمور وتجري.
في نفس الوقت، بدأ العداء لثورة يناير يزداد شيئا فشيئا، وصار حديث معظم الفضائيات عن مؤامرة يناير وظهرت تسريبات وإشاعات لا تغني ولا تسمن من جوع لكنها تصب في الإساءة لثورة يناير وثوار يناير. ثم توالت القوانين التي تحد من الحركة وحرية التظاهر وغيرها مما يطلق يد الحكومة في أملاك الدولة من أراضٍ وغيرها. نفس وتيرة نظام مبارك لكن لم تعد هناك فرصة واسعة لانتقاد ذلك ومع تأخر انتخابات مجلس الشعب صارت يد الحكومة هي الأولى والأخيرة ولا أحد يحاسبها أو حتى يصحح بعض أفكارها.
وللأسف لا أحد يتصور أن الحكومة تفعل ذلك بل كل معارض لا يرى أمامه إلا رئيس الجمهورية يحمل وزر ذلك كله، ولا أعرف حقا لماذا يتم التأخر في انتخاب مجلس الشعب فيظل الرئيس يتحمل وحده وزر ذلك كله! لا فائدة تعود على الرئيس من هذا التأخير. انتهى حديث المصالحة مع الإخوان وارتفع حديث المصالحة مع ثورة يناير بالحديث بشكل رومانسي جدا عن إصدار قانون يجرم الإساءة ليناير أو يونيو. وفي هذا - رغم رومانسيته - خطأ كبير لأن فيه إقرارًا بالفرق بين الثورتين واستقلال كل منهما عن الأخرى والذي كان واضحا ويعرفه الجميع أن يناير حدثت من أجل الحرية والكرامة والعدالة وحين ذهب الإخوان المسلمون بعيدًا عن ذلك حدثت "يونيو" لنفس الأهداف.
جاءت نتائج محاكمة مبارك ليظهر للجميع أن "يناير" انتهت أو ستصبح ذكرى ولو على دماء أصحابها، وهكذا اشتعل الخلاف بين النظام الحاكم وثوار يناير، وفيما يبدو كان التفكير في تجريم الإساءة لثورتين، محاولة للمصالحة مع يناير.. وهكذا صار لدينا طريق لمصالحة ثانية ليس تحريم سبها هو الطريق لكن تحقيق شعاراتها هو الطريق الذي ابتعد عنه الجميع بمن فيهم الإخوان كما أوضحت.
المصالحة الثالثة التي ستظهر الدعوة لها في الأيام القادمة هي مع رجال عهد مبارك فيما يخص الأموال التي نهبت لأن براءتهم ستكون طريقا إن لم تكن أصبحت لضياع الأموال المنهوبة، بل لن تكون هناك أموال منهوبة ومن سيقول ذلك سيكون عليه الدفاع عن نفسه أمام المحكمة لأنه يتهم الناس بما ليس فيهم.
لقد تمت تبرئتهم فكيف تتهمهم ؟ وسيكون الحديث هذا قويا يومًا بعد يوم باعتباره الطريق الوحيد لإعادة الأموال وسيحدث كما حدث مع الإخوان أنه لن تتم المصالحة، فالمتهمون أبرياء. وهكذا ستفشل. إذن نحن في وضع شديد المرارة باعث على السخرية، الخاسر الوحيد فيه هو ثورة يناير التي لم يرتكب أصحابها أي إثم.. لكن هل ستخسر إلى الأبد؟ هذا هو السؤال والإجابة عند النظام الحاكم الذي عليه أن يدرك أن هذه هي المصالحة الوحيدة الممكنة والمطلوبة وأن يعود إلى شعارات الثورة ويعمل على تحقيقها.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com