رئيس التحرير
عصام كامل

عن السبب الحقيقي لعدم تكفير الأزهر لداعش !


هذه أول مرة يطلب في تاريخ الأزهر الممتد لأكثر من ألف عام أن يتعرض لإيمان جماعة من المسلمين..ليحسم أمر إيمانهم جميعا..إنها كتلة بشرية كبيرة حتى لو كانت في نظر الأغلبية عصابة مجرمة، وهي كذلك فعلا..


هذه المرة لا يقرر الأزهر أمر كاتب إسلامي كتب في ثلاثينيات القرن الماضي كتابه القنبلة "الإسلام وأصول الحكم" هو الشيخ على عبد الرازق..ولا يقرر أمر كاتب كتب في العصر نفسه كتابه القنبلة أيضا "لماذا أنا ملحد" وهو إسماعيل أدهم..وليس هو الدكتور أحمد صبحي منصور الذي فصله الأزهر في ثمانينيات القرن الماضي لاجتهاداته الجريئة..وليس هو الدكتور فرج فودة الذي أفتى بجواز قتله أزهري كبير وشهير..هذه المرة يطلبون الأزهر ويحاصرونه للإفتاء في أمر جماعة بكاملها..ومن سيفتي - هكذا انتبه الأزهر - في أمر جماعة أو فئة يمكنه أن يفتي بضغوط أخرى في أمر فئة وجماعة أخرى..

وكانت الخطة تقول إنه بعد الحصول على فتوى بتكفير "داعش"، سيتم حصار الأزهر من بعض القوى السلفية المتطرفة حتى لو اضطر الأمر إلى رفع دعوى قضائية لتلزم الأزهر بالفتوى في أمر "الشيعة"! استغلالا لما جرى الأسابيع الماضية من مساجلات ومواجهات فضائية وتسجيلات مجهولة المصدر أو مسربة من أجل هذه اللحظة..

وبالطبع أن تفتي بكفر "داعش" ستفتح الطريق لتكفير من يهاجم السيدة عائشة وكبار الصحابة ويقتل أهل السنة في بلاده وفقا لمزاعم فتنوية تقوم بها جماعات سلفية تغذيها وتديرها مخابرات معادية كل هدفها أن يتم تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراعات طائفية ومذهبية تنتهي بحروب مدمرة للمنطقة بكاملها.. فإذا تم تكفير "داعش" سيتم تكفير "الشيعة" وبعدها سيكون الباب مفتوحا لتكفير غيرهم ! ولذلك كانت التصريحات موحدة الأسبوع الماضي وواضحة وصريحة من كبار رجال الأزهر ومجمع البحوث ووكيل الأزهر وغيرهم وهي: "لا يمكن تكفير من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله"، لتكون الشهادة وحدها - ووحدها فقط - معيار البقاء في الإسلام أو الخروج منه !

يا سادة، مخطط الصهيونية واضح جدا..تفتيت المنطقة بإغراقها في معارك مذهبية وطائفية..ونحن نقول إن الخلاف السياسي مقبول..مع إيران أو غيرها..ولكن بأدوات الصراعات والنزاعات السياسية..إنما لا يمكن أن تقبل مصر الكبيرة العاقلة الواعية تحويله إلى حرب سنية شيعية بأية حال..والأزهر في مصر الملكية قبل أن يتزوج ولي عهد إيران الشيعي من أخت ملك مصر زعيم العالم السني..والأزهر في مصر الناصرية صاحب فتوى جواز التعبد على المذهب الشيعي الاثني عشر وبدأت عنده جهود التقريب بين المذاهب..والأزهر في مصر الساداتية استقبل شاه إيران الهارب من شعبه بعد ثورة كبيرة..ولا يقبل الأزهر اليوم أن تتصدر أكبر مؤسسة دينية سنية في توريطها والحصول على إذن البراءة منها في إشعال فتنة دينية كبرى..

الأزهر يدرك شرعا أن القتل والذبح جرائم كبرى لا تغتفر لكن التوبة منها ممكنة وبالتالي لا يجوز تكفير صاحبها شرعا..والأزهر يعرف أن كبار الصحابة والمبشرين بالجنة قاتلوا كبار صحابة آخرين وبينهم آخرون مبشرون بالجنة ولكن الأزهر يعلم أيضا أنه كان خلافا سياسيا وليس دينيا لا يمكن الحكم بكفر أحد طرفيه رغم سقوط كبار الصحابة فيه..أما نحن فندرك أن داعش عدو..تقاتلنا.. وقتالها واجب..وقتل أفرادها حق..لا يحتاج الأمر إلى فتوى..ولا يحتاج الأمر إلى تبرير..إنما القصة كانت فخا كبيرا نجا منه الأزهر - رغم ملاحظاتنا عليه وانتقادنا لبعض شيوخه - ونجا أيضا من متربصين بداخله كانوا ينتظرون كلتا الفتويين لإشعالهم نارًا فوق نار..بين مخطط إرباك كل شيء في مصر!
كل التحية والاحترام والتقدير - في هذا الموقف - للأزهر وشيخه !
الجريدة الرسمية