رئيس التحرير
عصام كامل

عندما يصبح الصفر إنجازًا!


حصلت سلطنة عمان على الرقم «صفر من عشرة»، وأصبحت بحكم هذا الإنجاز واحدة من أهم المقاصد الآمنة في العالم، وهذا الرقم الصعب لا يمكن تحقيقه إلا وفق إستراتيجية طويلة المدى وقدرة فائقة على التحرر من الأفكار الجامدة وإمكانيات هائلة في العمل المتواصل والدءوب ضمن أجندة شفافية منقطعة النظير.


وفى الوقت الذي حصلت فيه السلطنة على الرقم صفر، فإن العراق حصل على عشرة من عشرة؛ ليثبت للعالم أن العراق في طريقه إلى التلاشي والاندثار كوطن عربي فقد كل مقومات الحياة الآمنة، إذ إن الأرقام المنوه عنها هي للتقرير الدولي الذي عرضته «سي إن إن» حول معدلات انتشار الإرهاب في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط حيث تضمن التقرير ترتيب دول المنطقة تبعا لمدى تفشي ظاهرة الإرهاب فيها ومن حيث انخراط سكانها في الممارسات الإرهابية وكذلك مدى تعرضها للعمليات أو الهجمات الإرهابية.

هكذا يصبح الرقم صفر هو المعادل الطبيعي والصورة المنطقية لعمل متواصل في سلطنة عمان هذا العمل الذي تجري وقائعه بثبات، وانطلاقا من إيمان قائدها وصاحب نهضتها السلطان قابوس بن سعيد هذا الرجل الذي استطاع أن يقدم تجربة فريدة في عناصرها التي اعتمدت على الاستثمار في الإنسان إيمانا من القائمين على تجربتها بأن الإنسان هو الثروة الحقيقية التي لو استنهضت فإنها تصنع المعجزات.

وتجربة عمان طوال ٤٤ عامًا من النهضة احتفل بها الشعب العماني خلال الشهر الماضي اعتمدت في الأساس على إقامة العدل وتوسيع الطبقة المتوسطة والقضاء على الفجوات الاجتماعية التي تعتبر زيتًا على النار في تجارب أخرى، والوصول إلى معدلات الأمان والانسجام الشعبي وتحقيق هذا الرقم الصعب واعتبار السلطنة واحدة من واحات الإنسان الآمنة لا يمكن أن يتحقق دون تحقيق نموذج تنموي مثالي.

ينمو الإرهاب في تربة تقوم على الظلم الاجتماعي والتناقض السياسي والتناحر الديني والفجوات الاقتصادية والإحساس بالقهر والظلم ويتلاشى ويختنق بعكس ذلك والمتابع لتجربة السلطنة يدرك ببساطة كيف استطاعت هذه الحضارة أن تحافظ على ديناميكيتها وعلى حيويتها وتبني نفسها ومنهجها على التواصل الحضاري وبناء جسور ثقافية مع الآخر دون أن تذوب هويتها في هويات الآخرين. أطلت السلطنة على محيطها العالمي انطلاقا من عروبتها وأدت أدوارًا آسيوية مهمة مع احتفاظها بعلاقات أوربية مهمة دون أن تتجاهل القوى الكبرى فأسهمت بدور حضاري أسس لفكرة التسامح ونشر السلام فلم يكن منها إلا أن جنت داخليا ما زرعته خارجيا ورغم أن الجغرافيا السياسية تفرض على السلطنة القيام بدور محدد فإنها تفوقت في أداء أدوارها الإنسانية والحضارية بنجاح كبير.

ولا يمكن الوصول إلى هذا الاستقرار والأمان دون أن تكون تجربة عمان الاقتصادية قد أصابت أهدافها ولا يمكن لها أن تحقق هذا الإنجاز وسط بحر متلاطم من القلاقل دون أن تكون قد ابتنت طبقة متوسطة أعرض من أن تطولها يد العبث ولا يمكنها أن تنجز ما أنجزت إلا إذا كانت قد اتخذت تدابير حاسمة ضد الفساد وتبنت سياسات شفافية كان لها أثرها على المجتمع، ذلك المجتمع الذي انسجم مع طبيعة بلاده في نشر عنصر التسامح وفق خطاب ديني متجدد ومنفتح وغير قابل للاختراق.

هنيئا للشعب العماني الذي يكن في وجدانه حبا وعشقا لمصر وهنيئا لقائد عربي نشهد أننا ما رأيناه يوما إلا صامدا، قويا، مؤمنا بعروبته مضحيا من أجلها رافضا كل أشكال الإقصاء والتهميش منطلقا في تجربته من إيمانه بشعبه وقدرات بلاده على الإسهام الحضاري فكان له ما عانى من أجله.
الجريدة الرسمية