رئيس التحرير
عصام كامل

أطفالنا بين سندان الأزمات ومطرقة اللزمات


يظن البعض أن الطفل بعيد عن مرمى الأزمات النفسية، إنما في حقيقة الأمر الدراسات النفسية الحديثة أثبتت أن الطفل أكثر عُرضة لذلك من الأشخاص البالغين؛ حيث تؤدي هذه الأزمات إلى قيامه بسلوكيات غير مقبولة كالعدوانية وقضم الأظافر، وغيرها من التصرفات المرتبكة والمتداخلة فيما بينها، التي تختلف في قوتها ونوعها من طفل إلى آخر حسب البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، والوسط الأسري والمدرسي اللذان يعتبران من أهم المسببات التي قد تجعل الطفل غير مستقر نفسيًا، إن لم يتوفر فيهما درجة من النضوج والتفهم لسيكولوجية الطفل؛ بهدف وقايته من الوقوع في براثن الأزمات النفسية التي تؤثر على مستواه التحصيلي وقدرته على الثبات الانفعالي والتعامل مع أقرانه.


شخصية الطفل وسلوكياته تتشكل وفق الخبرات التي يتلقاها ونوع العلاقات التي تربطه بالآخرين، فإن لم تكن سوية تجعل منه طفلا يجنح للقيم السلبية دون أن يكون لديه القدرة على التعبير عن مكنون نفسه، ومن ثم الوقوع تحت ضغوط عصبية تظهر في الغالب على هيئة تلعثم وتبول لاإرادي ولزمات لا يمكنه التحكم فيها، ومن ثم يضطرب سلوكيًا وعاطفيًا واجتماعيًا، ويشعر نتيجة ذلك بالمعاناة وعدم الرضا وصعوبة التوافق مع المحيطين به مما يخلق بداخله صراعًا نفسيًا ينتج عنه حالة من القلق والتوتر المصحوب بـالخوف، وأحيانا يصل القلق بالطفل إلى مرحلة تجعله يعيش تحت وطأة الشعور بالتهديد المستمر، وأنه سيقع تحت مقصلة العقاب نظرا لكثرة توبيخ الوالدين له، ما يعمق الجرح النفسي للطفل ويزيد من مظاهر القلق الذي يولد بطبيعة الحالة شحنات من الغضب تُحدث انفجارا عاطفيا نتيجة الضيق والاستثارة الانفعالية التي تأخذ شكلًا مبسطًا في البداية وتصل إلى حد الهياج والصراخ وتكسير الأشياء.

ومن أهم الأزمات النفسية التي يتعرض لها الأطفال وتعتبر الأكثر شيوعًا أزمة «الغيرة»، ذاك الشعور البغيض الذي يتعرض له صغارنا حين يعتقدون أن هناك أطفالا آخرين يستأثرون بحب واهتمام الوالدين والأقارب، فيظنون أنهم بذلك سيفقدون بعض امتيازاتهم وتتجلى صور الغيرة عندما يفقد الوالدان بوصلة العدل والمساواة بين أطفالهم، وقد يتسبب ذلك في نوعين من رد الفعل، كلاهما يمثل خطورة نفسية وبدنية على الطفل..

الأول: أن يقوم بسلوك عدواني يؤذي به نفسه من أجل إثارة الاهتمام اتجاهه مرة أخرى، والثاني: أن يتقوقع داخل نفسه ويصاب بما يعرف بالاضطراب التجنبي أو الهروبي، بمعنى أن يتحاشى كل من حوله ويعيش منطويًا، ويصاحب هذه الحالة أعراض فسيولوجية مثل احمرار الوجه وزيادة عدد ضربات القلب وبرودة الأطراف كلما هم بالحديث أو التعامل مع الآخرين.

وقد يتطور الأمر- إن لم ينتبه الأبوان- إلى إصابة الطفل بحركات عصبية لا إرادية أو ما يعرف في الطب النفسي باللزمات كـهز الأطراف أو رمش العين بشكل زائد عن الحد، هذه اللزمات أو التقلصات العضلية تتم بشكل تلقائي ومتلاحق باستمرار حتى تصبح عادة لا يستطيع الطفل السيطرة عليها.

وللتغلب على الأزمات النفسية واللزمات اللا إرادية، ينبغي على الأسرة أولًا ألا تهمل الجوانب النفسية لدى أطفالها، وعند تكرار عرض معين لابد من استشارة أخصائي نفسي، وعلى الأسرة أن تتخذ بعض الإجراءات الوقائية التي تحافظ على الصحة النفسية للطفل وتمنع تفاقم الأزمات ومنها على سبيل المثال:

* إزالة العوائق التي تمنع الطفل من الاندماج في بيئته العائلية والمدرسية.
* توفير وتهيئة المناخ الذي يتيح للطفل التعايش في هدوء وسلام نفسي.
* اتباع أسلوب العقاب والثواب دون إفراط أو تفريط.
* تشجيع الطفل على التفاعل والتواصل مع الآخرين.
* تعظيم الصفات الإيجابية لدى الطفل لإشعاره بالثقة في النفس.
* الاهتمام بمواهب الطفل وتنميتها.
* تعويد الطفل على المناقشة وإبداء الرأي والمشاركة في الحوار.
* عدم نقد تصرفات الطفل أو توجيه اللوم له أمام الآخرين.
* منح الطفل فرصة للتعبير عن ذاته ومشاعره دون خوف.
* عدم تفضيل طفل على آخر داخل الأسرة خاصة الذكور على الإناث.
الجريدة الرسمية