فوبيا.. «العفاريت»
لم يكن في خطتي على الإطلاق أن يكون هذا المقال عن «الفوبيا» أيضا، الفضل في هذا لأحد البرامج الفضائية الذي صار بامتياز حديث الناس، وسبب لهم فزعا رهيبا وخوفا شديدا، وجعلهم يعيشون بامتياز فوبيا «العفاريت»، والفوبيا أو – الرهاب – في تعريفه العربي، هو خوف شديد وزائد وغير عقلاني، والأهم أن المريض به يدرك أن خوفه زائد عن القدر المطلوب وغير مبرر ولكنه لا يستطيع التخلص من ذلك إلا بعلاج نفسي أو بمساعدة إرشادية.
بالتأكيد على مستوى الإعلام العالمي هناك الكثير من البرامج التليفزيونية متخصصة في مثل هذه الأشياء، هناك الكثير من الحلقات أعدت للظواهر الخارقة للطبيعة، بل محاولات ببعض الجامعات الغربية – آلاسكا – على سبيل المثال، لتأسيس ما يسمى بعلم الباراسيكولوجي – ما وراء النفس الطبيعية – دون الوصول فيه حتى الآن لنتائج، بل تحظى لقطات الفيديو عن الأشباح بآلاف المشاهدات على مواقع الإنترنت، لكن المشكلة عندما يتم تقديم الأمر بمنظور يرسخ للخرافة، في مجتمع لم يتعافَ من التأثر بالفكر الخرافي، ومازلنا حتى الآن نعيش في أجواء «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي، بل عبر البرنامج شعرت أنني أشاهد فيلمي: «التعويذة» و«الإنس والجن» وكلاهما ببطولة يسرا، لكن مرة مع عزت العلايلي، وأخرى مع عادل إمام.
ما الذي يجعلني – وأعتقد كثيرين مثلي – يتضايقون من هذه الحلقة ويغضبون منها؟ ربما التوقيت أحد الأسباب، ففي الوقت الذي أعتقد أن المفروض فيه بناء وعي جديد، وتحويل المواطنين لمواطنين منتجين، مسهمين في بناء الدولة، ولديهم الوعي الكافي لمواجهة مخاطر عديدة تحيط بهم، يتم تقديم مثل هذه الأمور بشكل لن يثمر في أحسن الأحوال إلا عن إضاعة الوقت والجهد والغرق في نقاشات ليس منها فائدة، الأمر الآخر: قابلية الإيحاء، حتى لو افترضنا أن ما تم تقديمه حقيقة، فما الأهمية من هذه الحقيقة بالنسبة لكثيرين من الصغار والكبار أيضا، وأرجو ألا يقول أحد إنه تم التنويه أن الحلقة للكبار فقط، لأن الجميع شاهدها كبارا وصغارا.
السؤال الآن: بعد هذه الحلقة، كم مواطن مصري بحكم الإيحاء، صار لديه القابلية للوقوع في هذه الأعراض؟ بل كم مراهق ومراهقة وطفل وطفلة صار يخشى أن يخرج له شيء من الدولاب أو الحائط أو غيره؟ هل المطلوب الآن أن نحول المواطنين لمرضى بالصرع والهلاوس؟ الأمر الثالث: بافتراض صدق الرجوع للعلم واستحضار طبيب نفسي في الحلقة إياها، هل الأمر ينتهى بدون إجراء فحوصات طبية؟ ألا يعلم البسطاء أن هناك الكثير من الأمراض النفسية والعصبية التي قد تتشابه في أعراضها مع ما تم إذاعته تحتاج للعديد من التحليلات والفحوصات؟ مثل رسم المخ، وأداء الغدد وغيرها؟ كل هذا تم اختزاله، ولا أعتقد أن من تم استحضاره في الحلقة هو من كبار الأطباء النفسيين المشهورين الذين نسمع عنهم في مصر، والعالم العربي.
إذا كان الهدف هو مساعدة الحالات التي ظهرت أمامنا، فالطريق كان يجب أن يكون مختلفا، كان يجب أن تكون البداية من داخل أحد المستشفيات النفسية سواءً الحكومية أو حتى الخاصة، ولا أظن أن هذا أمر صعب على معدي هذا البرنامج أن يفعلوا ذلك، وأن يجروا الفحوصات اللازمة، وحتى لو افترضنا أن الهدف هو المساعدة وأن الأمر في اتجاه آخر بعيد عن العلم، ألم يكن أجدر أن تكون البداية من الأزهر الشريف أو من دار الإفتاء من عند أهل العلم الشرعيين؟ في كل الأحوال ما حدث ليس مبررا ولا مفيدا للمشاهدين. وإذا ما كان هذا الطريق هو الأسهل في تحقيق أعلى نسب للمشاهدة، وأعلى الأرقام في الإعلانات، فأتمنى أن يوجد من يتحمل مسئولية اللحظة الراهنة ويقدم ما يثمر عن زيادة وعي المواطنين، ويساعدهم في حل مشكلات واقعهم، ويحولهم لمنتجين، متلاحمين مع الوطن، يدركون ما يحيط بهم من مخاطر، وقادرين على بناء مستقبل مشرق، هل هذه الأمنية مستحيلة؟