رئيس التحرير
عصام كامل

"الجارديان" تكشف تفاصيل تكوين "داعش".. "واشنطن" أنشأت سجن "بوكا" ليكون نقطة التقاء الجماعات المتطرفة.. "البغدادي" حظي باحترام الجيش الأمريكي بالسجن.. وانضمام البعثيين لتنظيم "الدولة الإسلامية" الأخطر

المعتقلين في سجن
المعتقلين في سجن بوكا بجنوب العراق

كشف أحد قادة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق والشام "داعش" لصحيفة الجارديان البريطانية، كيف تكونت الخلية الإرهابية داخل سجن عراقي وتحت أنظار الأمريكيين.


سجن "بوكا"
وأوضحت الصحيفة أن سجن بوکا في العراق، أنشأته القوات الأمريكية وسط الصحراء في أقصى جنوب العراق عام 2003، وضم معظم قيادات القاعدة وتنظيم داعش، وكان نقطة انطلاق لهذه الجماعات الإرهابية، مبينة أن الأمريكان كانوا يكنون الاحترام لزعيم داعش، أبوبكر البغدادي خلال فترة تواجده في هذا السجن.

وأشارت الصحيفة إلى أن "أبو أحمد" وهو الاسم الحركي له، قال "إنه دخل السجن في صيف عام 2004، مكبلا بالقيود إلى داخل أسوار سجن بوكا في جنوب العراق، وكان متوترا وعندما اقتاده جنديان أمريكيان عبر ثلاث بنايات، ومن ثم عبر دهاليز مليئة بالأسلاك ليصل إلى ساحة مفتوحة مليئة بسجناء مرتدين زي السجن باللون الأصفر الصارخ ينظرون إليه بحذر وأعينهم تراقب تحركاته".

وأضاف أبو أحمد الذي أصبح الآن من أكبر قادة داعش أنه كان خائفا، وهو متجه لسجن بوكا، وكان يفكر فيه وهو في الطائرة ولكنه وجده أفضل مما توقع، وهناك كانت البيئة المثالية لصناعتهم وبناء أيدلوجيتهم.

فرصة ثمينة
وأشار أبو أحمد إلى أنه عند وصوله عرف بعض السجناء على الفور بينما الآخرون لم يستغرق وقتا طويلا لمعرفتهم، وسرعان ما عرف أن السجن الذي تديره الولايات المتحدة كان فرصة ثمينة بالنسبة له مع بقية السجناء الذين تم تجميعهم في مكان واحد من كافة أنحاء العراق، فالوضع خارج أسوار السجن كان صعبا للغاية، ومن المستحيل أن يتم تجميعهم، ولكن في السجن كان محبس زعيم القاعدة على بعد أمتار.

لقاء "أبوبكر البغدادى"
ولفت أبو أحمد إلى لقائه لأول مرة مع إبراهيم عواد السامرائي المعروف بـ"أبو بكر البغدادي" في السجن، وكان بعض السجناء في المعسكر يأتون إليه وكان حتى ذلك الحين يدعى "أبو بكر"، مضيفًا: "لكننا لم نكن نعرف أنه سينتهي به المطاف لاحقًا ليكون قائدا".

الانخراط مع المليشيات
وأوضح أبو أحمد أنه أجبر على الانخراط وهو شاب مع المليشيات بسبب الاحتلال الأمريكي الذي يريد تغيير القوى وإعطاء السلطة للأغلبية الشيعية على حساب السنة الذين كانوا القوى المسيطرة سابقا، مؤكدًا أن مشاركته سابقا هي التي جعلته يحصل على مركز رفيع في الخلايا المنتعشة التي انتقلت للحدود السورية، ويعتقد البعض من زملائه أن سقوط النظام في المنطقة ساهم بإعادة طموحهم في العراق، الذي يعتبر الهدف الغير محقق بعد ولكن الحرب في سوريا كونت ميدانا جديدا لهم.

تكاثر "داعش"
ونوهت الصحيفة أن "أبو أحمد" لم يوافق على التحدث إلا بعد أكثر من سنتين من المشاورات والتي من خلالها أفصح عن ماضيه، وعن كونه جزءا رئيسيا من أكبر شبكة مليشيات، وعبر عن قلقه من تكاثر الدولة الإسلامية في العراق والشام وعن نظرتها في المنطقة.

اشتعال الأوضاع
وكان أبو أحمد أعاد النظر في توجهاته بعد اشتعال الأوضاع في العراق وسوريا، مشيرًا إلى الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط والتي ستستمر إلى سنوات قادمة مليئة ببحر من الدماء على أيدي رفاقه الأيديولوجيين، ووحشية داعش المتزايدة بشكل كبير، والتي جعتله يتغير مع مرور الوقت حيث أعاد النظر حول تفسير القرآن وليس تطبيقه حرفيا.

عزلة البغدادى
وتابع أبو أحمد: "أنه خلال أيام سجن بوكا كان البغدادي يعزل نفسه عن بقية السجناء، وكنت أشعر أن البغدادي يخفي شيئا بداخله، جزءًا مظلمًا لا يريد للآخرين أن يعرفوه، وكان على العكس من الأمراء الآخرين المسجونين معه والذين يسهل التعامل معهم، فقد كان بعيدًا عنا جميعًا"، لافتًا إلى أن البغدادي كان هادئًا وله كاريزما معينة، لكن كان في السجن معه الكثير ممن هم أكثر أهمية منه، وتابع: "ولم أكن أتصور أنه سيصل إلى هذا الحد".

فض النزاعات
وأشار أبو أحمد إلى أن الأمريكان في السجن كانوا ينظرون إلى البغدادي على أنه الرجل الذي كان يتدخل لفض النزاعات بين السجناء والحفاظ على الهدوء في المعسكر، وفي كل مرة كانت تحدث مشكلة في السجن يكون البغدادي في وسطها من أجل حلها، مؤكدة أنه كان يستخدم سياسة المسكنة للحصول على ما يريد، وقد كان يطمح لأن يكون رئيسًا للسجناء.

إطلاق سراحه
وأوضح أبو أحمد أنه في عام 2004 اعتبر البغدادي من قبل سجانيه أنه لا يشكل أي خطر وأطلق سراحه، وكان يحظى باحترام من قبل الجيش الأمريكي، ويبين أنه إذا أراد زيارة سجناء آخرين في سجن آخر كان يستطيع ذلك، فيما لم نكن نستطيع ذلك.

استراتيجية جديدة
وأكد أبو أحمد أنه كانت هناك إستراتيجية جديدة يتم وضعها، وكان هو يقودها وتتزايد تحت أنظار الأميركان، وهي عملية بناء "داعش"، مؤكدًا أنه لولا وجود سجن للأمريكان في العراق لم يكن داعش موجودًا الآن، ويشدد بالقول كان سجن بوكا مصنعًا، مضيفًا:"فقد صنعنا كلنا وبنى أيديولوجيتنا".

وأضاف أبو أحمد: "أنه في الوقت الذي كانت فيه أعمال داعش تنتشر في المنطقة، فإن تلك الأعمال كان يقودها رجال كانوا قد قضوا وقتًا في مركز الاعتقال في بوكا وكامب كروبر وأبو غريب أثناء فترة الاحتلال الأمريكي للعراق".

وذكر: "الأمراء كانوا يجتمعون في السجن بانتظام، وكنا نعرف قدراتهم وما يمكن أن يفعلوه، وكان أهم الناس في بوكا أولئك الذين كانوا قريبين من أبي مصعب الزرقاوي، وكان لدينا الوقت في بوكا للاجتماع والتخطيط فقد كنا في بيئة مثالية حقًا".

أفضل المخططين
ويرى أبو أحمد أن الزرقاوي كان ذكيًا جدًا، وهو أفضل المخططين الإستراتيجيين لتنظيم داعش، أما خليفته أبو عمر البغدادي فكان قاسيًا جدًا لا يرحم والأكثر دموية فيهم، ويشير إلى أنه بعد مقتل الزرقاوي أحب الناس القتل أكثر منه، وغدا أكثر الأمور أهمية في المنظمة، فقد كان فهم الباقين للشريعة رخيصًا جدًا وهم لا يفهمون أن التوحيد يجب أن لا يفرض من خلال الحرب.

وأضاف أبو أحمد: "أن أعوام 2008-2011 كانت أعوام هدوء وليست هزيمة"، ويبين أن البغدادي تسلق ليغدو مساعدًا لأبي أيوب المصري، حيث فتح داعش مدخلًا في هذه الفترة لفلول البعث من النظام القديم للانضمام إليه تحت فرضية عدو عدوي صديقي.

تشييد السجن
وكانت القوات الأمريكية شيدت سجن بوكا وسط الصحراء في أقصى جنوب العراق بعد عام 2003، وأمضى نحو مئة ألف معتقل فترات متفاوتة خلال ستة أعوام بحيث بلغت أعدادهم ذروتها في العام 2007.

إغلاقه
في عام 2009، جرى التفاهم بين الحكومة العراقية والقوات الأمريكية على إغلاق سجن بوكا، وتحويل أغلب نزلائه إلى معتقلات بغداد والتاجي، فيما تم الإبقاء على من أدين من هؤلاء النزلاء بتهم الإرهاب في سجن البصرة المركزي بميناء المعقل وسط المحافظة، لأن القضاء العراقي قرر التحفظ عليهم وتجاهل الأحكام الأمريكية السابقة الصادرة بحقهم ومحاكمتهم وفق الدستور العراقي الجديد، بعدما رفعت ضدهم دعاوى تتهمهم بالقتل والاعتداء وارتكاب جرائم مختلفة خلال فترة سيطرة القاعدة والجماعات المسلحة على عدد من المدن العراقية.

الجريدة الرسمية