بالصور.. «أبو هيثم».. التسول على نغمات الربابة
كان يوما قارص البرودة يخلو من المارة عدا القليل، حين قرر الخروج من منزله، متلفحا بعمامته، قابضا على كف صغيرته، رافعا عينيه إلى السماء ينطق بكلمات الشيخ النقشبندي« ربي..إني ببابك».
محطة القطار كانت وجهته، وسرعان ما التحق بقطار 89 القادم من أسوان جنوبا متجها إلى الإسكندرية شمالا، تنقل بين العربات ممسكا بربابته، تسبقه بخطوات معدودة طفلتة الصغيرة حاملة «الطبلة»، اتحدي معا لعزف أجمل المقطوعات التي تصل للقلب مباشرة، وسريعا ما تعاطف معهم الركاب وأخرج البعض من سراويلهم عملة معدنية بقيمة «جنيه مصري».
نغمة الربابة الحزينة التي أطربت سمع الركاب صغيرهم قبل كبيرهم، أخفت وراءها ألم لا يعلمه سوي «أبو هيثم» ذلك الرجل الأربعيني الذي بإصرار يستجدي عطف الركاب للحصول على قليل من النقود التي تؤمن له الحد الأدنى من المعيشة.
« أحب الطيبين.. وأزعل من المطنشين» هذه هي الكلمات التي نطق بها الرجل تزامنا مع نغمات ربابته مبسطٍ يديه يسأل الإحسان.
أطلق «أبو هيثم» العنان لعينيه لتتجول بين مقاعد الركاب، وبخبرة يستطيع التعرف على الكرام منهم، والذي يمد يديه في جيبة ليُخرج القطعة المعدنية التي ينتظرها، وهنا يصب اهتمامه على ذلك الكريم ويطلق إليه كلماته لعلا وعسي تصيب قلبه وينول منه المراد.
فوق قرص الطبلة المستدير تنزل أصابع لا تكاد تترك أثرًا عليها، صوت خافت يخرج من وقت لآخر يغطي عليه صوت الربابة، تتابع لمعرفة مصدر ذلك الصوت، فبالكاد تري طفلة صغيرة تسير أمام ذلك الرجل ضخم البنيان، ذات الشارب الكثيف، ترتدي ملابسها الشتوية رغم أن برودة الجو طبعت فوق خديها أثارها.
أهي مرغمه أم باختيارها؟ لا يعلم أحد سوي الله لكن الواضح أنها تعودت الضرب على الطبلة لتخرج ألحان تتزاوج مع نغمات الربابة لتخرج لحنًا يستعطف القلب الجحود.