عندما يغيب أهل الحكمة عن الجماعة
أتيح لى، كعضو مكتب إرشاد ونائب أول للمرشد على مدى ٢٤ عامًا، أن ألتقى أعدادا كبيرة وصنوفا شتى من الإخوان في مصر وخارجها، إقليميا ودوليا.. والذي انتهيت إليه بعد طول تأمل أن الطبيعة البشرية حاكمة، وتجارب الشعوب في الدول المختلفة تترك بصماتها الخاصة على الإخوان، فيختلفون من مكان لآخر؛ ثقافة، ووعيا، ونضجا، وفهما، والتزاما، وخلقا، وسلوكا، وانفتاحا، وانغلاقا..إلخ، وذلك تبعًا لاختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبلدانهم..
الاختلاف والتنوع هو الأساس، رغم أنهم جماعة واحدة ذات فكرا ووسائل وأهدافا واحدة..لا يوجد تنظيم للإخوان في أي دولة إلا وبه مشكلات وأزمات، بل صراعات قد تصل في بعض الأحيان إلى انقسامات.. باختصار، يمثل الإخوان إفرازا طبيعيًا لمجتمعاتهم، بل ربما نلاحظ في التنظيم الواحد داخل أي دولة، اختلافًا بين الإخوان في الحضر عنهم في الريف، ومن محافظة إلى أخرى، فإلاخوان في محافظة الإسكندرية، مثلا، يختلفون عن نظرائهم في محافظة المنيا أو الفيوم أو قنا، وذلك نتيجة وجود أو غياب قيادات لها حكمتها وخبرتها وتجربتها وثقافتها من ناحية، ووجود أو غياب متابعة لصيقة ودقيقة من ناحية أخرى..
في مصر، ظل الإخوان لعقود طويلة، خاصة في عهد مبارك، يعانون تضييق وملاحقة ومطاردة من قبل الأجهزة الأمنية..وقد انعكس ذلك على انكفاء الإخوان على التنظيم بدرجة كبيرة، فضلا عن عدم ممارسة الشورى بشكل حقيقى وفاعل.. وقد أدى هذا إلى صعوبة، إن لم يكن استحالة، إجراء حوارات حقيقية بين الإخوان وبعضهم.. ناهينا عن تراكم المشكلات والأزمات داخل الجماعة..
أذكر جيدا أن الأخ الدكتور رفيق حبيب الذي كان يحضر أحيانا بعض لقاءاتنا، أسر لى يوما أنه لاحظ أن المناقشات التي تجرى بين أعضاء مكتب الإرشاد تتميز بالحدة والعصبية الشديدة، الأمر الذي أدهشه وأذهله.. وفى أحد الأيام من عام ٢٠٠٩، ذكر لى الأستاذ عاكف المرشد العام السابق أنه بعد استشهاد الأستاذ البنا، برزت شخصيات من الإخوان كأنها عقارب وحيات، وكان الإخوان يستغربون ذلك ويقولون كيف استطاع البنا أن يروض هذه العقارب والحيات ويحتفظ بها ساكنة؟! قلت: ألم يقل هو نفسه كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا؟ لكن، وهذا هو السؤال المهم، كيف سمح الأستاذ البنا بوجود هذه الشخصيات أصلا داخل الجماعة؟
للأسف، لم يستفد الإخوان في مصر بمناخ الحرية الذي عاشه الشعب المصرى نتيجة ثورة ٢٥ يناير في تغيير اللوائح، وإجراء انتخابات جديدة، وإيجاد شورى صحيحة، وممارسة حوارات حقيقية بين القيادات والشباب، وحل المشكلات المتراكمة داخل الجماعة..
وبدلا من ذلك، دخل الإخوان معترك الحياة السياسية بطريقة المغالبة لا المشاركة، بل إنهم ارتكبوا خطأ استراتيجيا قاتلا، بأن نافسوا على منصب الرئاسة، وكانت الطامة الكبرى أنهم نجحوا في الوصول إلى قمة هرم السلطة في مصر.. ولأسباب كثيرة، كان على رأسها، غياب الخبرة والتجربة، عدم وجود رؤية إستراتيجية، سيطرة مكتب الإرشاد على الرئيس، الفشل في التعامل مع المعارضة، تقديم أهل الثقة على أهل الخبرة، إقصاء الآخرين، الانقسام المجتمعى، ونذر الحرب الأهلية، أقول هذا كله أدى إلى فشلهم في العام الذي حكموا فيه، والثورة عليهم في ٣٠ يونيو، والإطاحة بهم في ٣ يوليو ٢٠١٣.