محفوظ ونساؤه.. "الروح النقية" تجمع بين العاهرة والست أمينة
"أمينة، نور، إحسان شحاتة، زهرة، حميدة، نفيسة،..." أسماء سيدات جمع بينهن جميعا تربعهن على عرش بطولة روايات أديب نوبل "نجيب محفوظ" فهل تشابهن في شيء آخر؟!..
إذا تمعنا قليلا في قراءة روايات نجيب محفوظ جميعا، وخاصة في شخصيات بطلات رواياته ربما نجد شيئا مشتركا بينهن جميعا، فرغم اختلاف شخصياتهن وعملهن ما بين ربة منزل متمثلة في "أمينة" في "الثلاثية"، أو فتاة من طبقة فقيرة "نفيسة" في "بداية ونهاية، أو "زهرة" الفتاة الفلاحة البسيطة "ميرامار"، أو "نور" العاهرة في "اللص والكلاب"، أو "رباب جبر" الموظفة في السراب.. وغيرهن من بطلات رواياته المختلفة، نجد أن القاسم المشترك بينهن هو "نقاء الروح" و"الجدعنة".
كان من الطبيعي أن نجد "أمينة" الزوجة المقهورة المغلوبة على أمرها في ثلاثية "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية"، امرأة نقية، بريئة، طيبة الأصل، فالمرأة التي تتحمل الإهانات والقهر المستمر من زوجها "سي السيد"، وترضى بحالها، وتعمل عاكفة على تربية أولادها وخدمتهم، تجعل القارئ يتعاطف معها بشكل تلقائي رغم تفريطها في حقوقها، لكن الغريب في الأمر أن يجعلنا محفوظ، وبمنتهى السلاسة والبساطة ودون وعي منا، نتعاطف مع "إحسان" الفتاة الفقيرة في "القاهرة الجديدة" التي تتخلى عن حبيبها الطالب المتوسط الحال، وتبيع جسدها من أجل المال ولإطعام إخوتها.
ولم يكتف محفوظ بهذا، بل جعلنا نبكي وأشعل قلوبنا بالكراهية ضد المجتمع، تعاطفا مع عاهرة أخرى وهي "نفيسة" في رواية "بداية ونهاية"، الذي ينتهي بها وبنا الحال في نهاية الرواية غرقا في مياه النيل، الذي كان أحن عليها من أخوها الظابط، الذي باعت نفسها من أجل تعليمه، وباعها هو من أجل وظيفة ومركز اجتماعي.
ونفى محفوظ عن نفسه –ربما دون قصد منه- شبهة أنه لا يكتب سوى عن النساء المقهورات أو العاهرات، وذلك عندما تأثرنا جميعا بـ "زهرة" وأحببناها في "ميرامار"، أبعدتنا زهرة عن قهر الذل عانت منه أمينة وبناتها بالمكوث في المنزل والخضوع لرجالهن، والذل الذي عانت منه عاهرات محفوظ ببيع جسدهن، فأطلت علينا زهرة فلاحة قوية ترفض الزواج من عجوز بقريتها بناء على رغبة أهلها، وتتجه إلى الإسكندرية لتعمل في فندق "ميرامار"، والتي تغير جميع أحواله دون قصد منها، فبقوة شخصيتها وروحها النقية، التي لم ينس محفوظ أن يبثها فيها كبقية بطلاته، تمكنت من أن تغير حياة كل من يسكن الـ "ميرامار" دون أن تتخلى عن براءتها.
ورغم تعدد وتنوع الشخصيات والظروف التي عاشت فيها "نساء محفوظ"، إلا أنهن حيرن الجميع، فهناك الكثير من الاختلاف حول أهداف نجيب وفكره حول النساء، هل هو ذكوري لا يرى في المرأة سوى العاهرة أو الخاضعة لزوجها، أم أنه عمد إلى تسليط الضوء على هذه النماذج ليكشف المستور، ويواجه المجتمع بذكوريته وتجنيه على المرأة، وأيا كان اتجاه نجيب محفوظ فإن القاسم المشترك الذي يجمع قراءه هو الاستمتاع بأدبه.