رئيس التحرير
عصام كامل

مرصد دار الإفتاء يدق ناقوس الخطر.. يرصد تزايد ظاهرة "الإلحاد بين الشباب".. يؤكد: مصر الأولى عربيًا في نسبة "الإلحاد".. الجماعات الإرهابية والخطاب الديني المتشدد "السبب".. والاهتمام بصحيح الدين "ضرورة"

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية، تقريرًا جديدًا يرصد فيه أسباب تزايد ظاهرة الإلحاد بين الشباب في الدول الإسلامية، لا سيما دول المنطقة التي تمر بمتغيرات سياسية واجتماعية كبيرة، لافتًا إلى تشويه الجماعات الإرهابية التكفيرية صورة الإسلام من خلال تطبيق مفهوم خاطئ للإسلام والدين، وتقديم العنف والقتل وانتهاك حقوق الإنسان على أنها من تعاليم الإسلام.


ظاهرة الإلحاد
وأشار تقرير دار الإفتاء إلى أن ظاهرة الإلحاد من الظواهر المعقدة التي تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية؛ ولذا فإن تحليلها والبحث في أسبابها يحتاج جهدًا كبيرًا وبحثًا دقيقًا من مختصين في الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس والاجتماع.

وكشف التقرير أن مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة وفرت لهؤلاء الشباب المغرر بهم مساحات كبيرة من الحرية أكثر أمانا لهم للتعبير عن آرائهم ووجهة نظرهم في رفض الدين، بعيدًا عن التابوهات التي تخلقها الأعراف الدينية والاجتماعية، حيث رصد التقرير تصريحات لعدد من الملحدين الشباب الذين جاهروا بإلحادهم، مؤكدين أنهم لا يعارضون الدين ولكنهم يرفضون استخدامه كنظام سياسي، داعين إلى فصل الدين عن الدولة، في حين رفض فريق آخر منهم الدين ككل، فيما ترك فريق ثالث الإسلام إلى ديانات أخرى.

أسباب انتشار الظاهرة
رصد التقرير أبرز الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب إلى الإلحاد، كان من أهمها أن الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تنتهج الوحشية والترهيب والذبح باسم الإسلام، مؤكدًا أنها أصدرت مفهومًا مشوهًا لتعاليم الإسلام، ورسخت صورة وحشية قاتمة للدين، مما نفَّر عددًا من الشباب من الإسلام ودفعهم إلى الإلحاد.

الخطاب الدينى المتشدد
كما لفت التقرير إلى أن من أسباب انتشار ظاهرة الإلحاد الخطاب الديني المتشدد الذي تصدره التيارات الإسلامية المتزمتة، التي تؤصل لأهم مشكلات التدين في العصر الحاضر، مضيفًا: "إنها إشكالية الصراع بين الجوهر الروحي والخلقي الذي يمثل حقيقة الإسلام وبين القشرة الشكلية الخارجية التي تصلح أمارة وعلامة فقط على أن هذا الإنسان ينتمي إلى ذلك الدين ويمارس تلك الشعائر"، مشيرًا إلى أن هذه التيارات لا تعرف سوى التشبث بالأمور الشكلية التي قد تبعد الناس عن الدين.

وأشار التقرير إلى دعوة الجماعات التكفيرية من خلال فهم مختل للولاء والبراء إلى كراهية الآخر لمجرد المخالفة في الديانة، فيكون من الطبيعي أن ينفر من هذا الكثير من أصحاب القلوب الطيبة والمحبة للآخرين، لأنهم يجدون هذا الأمر صعبًا على النفس ومناقضًا لما فطره الله في قلوبهم من حب للآخرين الذين أحسنوا إليهم.

اختلال المفاهيم
من جانبه حذر د.إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، من خطورة استضافة وسائل الإعلام لغير المؤهلين وغير المتخصصين في البرامج الدينية الذين غالبًا يتعمدون الإساءة في توصيل المعلومة الدينية الصحيحة، مما يؤدي بدوره إلى حدوث بلبلة في الأفكار واختلال في المفاهيم.

وحول انتشار ظاهرة الإلحاد في العالم العربي والإسلامي، أكد مستشار مفتي الجمهورية أن دراسة هذه الظاهرة ليست بالأمر الهين، ويكتنفها مجموعة من الصعوبات المنهجية التي من أهمها انخفاض معدلات الاستجابة لاستطلاعات الرأي الميدانية؛ مضيفًا: "إذ أن من يعترفون بإلحادهم هم أقل بكثير من العدد الحقيقي الموجود؛ لذلك فإنه عند تقديم الأرقام حول نسب الملحدين في عدد من الدول تكون النسب في أغلب الأحيان نسبًا تقريبية".

نشاط كبير
وأوضح نجم أن عددًا من الدراسات والإحصاءات أظهرت أن الإلحاد –في السنوات الأربع الماضية– قد شهد نشاطًا كبيرًا، قائلًا: "فسرعان ما ظهرت عشرات المواقع الإلكترونية على الإنترنت تدعو للإلحاد وتدافع عن الملحدين، في مقدمة هذه المواقع الإلكترونية "الملحدين المصريين" و"ملحدون بلا حدود" و"جماعة الإخوان الملحدون" و"مجموعة اللادينيين" و"ملحدون ضد الأديان"، كما ظهرت مواقع شخصية للملحدين، جميعها بأسماء مستعارة فظهر "ملحد وأفتخر" و"ملحد مصري"، و"أنا ملحد".

وأشار مستشار المفتي إلى أن مركز "ريد سي" التابع لمعهد "جلوبال" قد وضع مؤشرًا للإلحاد في كل دول العالم، وقال إن مصر بها 866 ملحدًا، ورغم أن الرقم ليس كبيرًا فإنه الأعلى في الدول العربية، فليبيا ليس بها سوى 34 ملحدًا، أما السودان ففيها 70 ملحدًا فقط، واليمن فيها 32 ملحدًا، وفي تونس 320 ملحدًا وفي سوريا 56 ملحدًا وفي العراق 242 ملحدًا وفي السعودية 178 ملحدًا وفي الأردن 170 ملحدًا، وفي المغرب 325 ملحدًا.

حلقة نقاشية
أوضح التقرير أن مرصد دار الإفتاء للفتاوى التكفيرية، رصد حلقة نقاشية أجرتها "هيئة الإذاعة البريطانية" على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تحمل عنوان "لماذا نرفض تطبيق الشريعة الإسلامية"، وقد تجاوب معها خمسة آلاف تغريدة في يوم واحد، حيث تركز النقاش حول ما إذا كانت الشريعة الإسلامية مناسبة لاحتياجات الدول العربية والنظم القانونية الحديثة.

وأضاف تقرير دار الإفتاء، أن أغلبية المشاركين جاءوا من مصر والمملكة السعودية، حيث عبر الشباب المشارك عن أسباب رفضهم الشريعة الإسلامية، وأشار أكثرهم إلى ما ترتكبه الجماعات المتشددة والمتطرفة من انتهاكات باسم الإسلام من قتل وسب، وانتهاك لحقوق الإنسان، وامتهان المرأة كبيرة وصغيرة، وأن هذه الجماعات تصدر نسخة إسلامية تقمع الحرية وتمتهن الكرامة.

المواجهة
ولمواجهة انتشار ظاهرة الإلحاد، قدم تقرير دار الإفتاء عددًا من الاقتراحات، أهمها أن نجعل المنهج الوسطي الذي يدعو إليه الأزهر الشريف ثقافة عامة تشيع في مناهج التعليم والإعلام، مع التركيز على أهمية عمل برامج متخصصة تقوم على مناقشة الأفكار التي تطرأ على عقول الشباب، مع احترام تلك الأفكار ومناقشتها بهدوء ورفق وطرحها أيضًا للمناقشة والرد من قبل متخصصين من علماء الدين والاجتماع والنفس والفيزياء.

وشدد على ضرورة التنسيق بين المؤسسات الدينية المعنية ببيان صحيح الدين –وهي الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف– لتطوير وسائلها للوصول إلى قطاعات الشباب، والتواصل معهم واحتوائهم، وعدم تركهم فريسة لتلك الجماعات المتطرفة التي تخالف الشريعة الإسلامية في أهدافها ومعتقداتها
تابع التقرير: "لابد من بذل مزيد من الجهود لحماية الشباب، وتحصينهم ضد تلك الأفكار المتطرفة والآراء المتشددة التي تبتعد كل البعد عن وسطية الإسلام وسماحته"، مؤكدًا ضرورة العناية بالرسوخ العلمي والخطاب العقلي الذي يناقش تفاصيل القضايا العقدية والفكرية القديمة والمعاصرة.

تجديد الخطاب الدينى
واقترح التقرير أيضًا تجديد الخطاب الديني ليتفاعل مع الواقع المعاصر بعيدًا عن نقل قصص وروايات مكذوبة لم تثبت ونشرها بين الناس مظنة أنها ستزيد في إيمانهم على حين قد تكون النتيجة هي العكس.

واختتم التقرير توصياته، مطالبًا علماء الدين بأن يضعوا عينًا على الشريعة وعينًا أخرى على الواقع، مؤكدًا أن البعد عن الواقع والتمسك بالقشور التي لا تعد من جوهر الدين كان سببًا في نفور الشباب وابتعادهم عن صحيح الدين.
الجريدة الرسمية