شيوخ الفتنة
فى سوريا يُحِلُون الخروج على الحاكم الراتب ويسعون لقتله أو خلعه، وفى مصر يحرمون مجرد الاقتراب من عتباته المقدسة ويأمرون بطاعته العمياء، فتوى هنا تحرم وفتوى هناك تحلل، وقد أفتوا من قبل بحرمة الخروج على مبارك، ثم عادوا بعد سقوطه فتسلقوا المنابر لكى يلعنوه ويباركون من خرج عليه بعد أن سرقوا الثورة مع حلفائهم من الإخوان.
يمكنهم أن يؤسسوا ما يشاءون من فتاوى مضللة من بضاعتهم الجاهزة دوما من الأحاديث المنحولة فى آن واحد، ولفقه أئمتهم منذ القدم باع تاريخى كبير فى ذلك التدليس المنهجى الذى يرتكز على تلك الطائفة من الأحاديث الموضوعة، أما القرآن فقد استعصى عليهم لأنه كتاب حق، وهو محفوظ من رب العالمين، فلم يتعرضوا لذكره وبيانه، لأنه يفضحهم ويكشف كهاناتهم، فلا تكاد تسمع آية من القرآن الكريم من فوق منابرهم أو فى فضائياتهم، بينما يحاصرونك بطوفان من تلك الأحاديث التى نسبوها إلى الرسول الكريم وهو منها براء.
إنهم خطباء الفتنة والفرقة بين الناس، الذين يسيرون على خطى الشيطان فى منهجه العدائى لبنى آدم (إِنَمَا يُرِيدُ الشَيْطَانُ أن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)، وهو عين ما فعلوه فى بلادنا، حيث قسموا الأمة الواحدة، وجعلوا الناس فيها شيعا وطوائف، ثم إنهم بعد ذلك عُبَاد السلاطين وأدواتهم، والمبررون لظلمهم وفسادهم وطغيانهم، فلا يتورعون عن توجيه دعوات القتل وسفك الدماء لمن يقف معارضا لمصالحهم ولظلمهم خدمة لهم، ففى الوقت الذى يحيط القرآن الكريم النفس البشرية بهالة براقة من الحماية ويجعل الاعتداء عليها كأنه اعتداء على الناس جميعا وفسادا فى الأرض نرى هؤلاء يَدَعونَ على النبى أحاديث تهدر دماء بريئة وتهدم أصولا أسسها لها القرآن وأمر باتباعها.
وحتى أن تلك الأحاديث المنحولة والتى تدعو لقتل من يفرق بين الناس ويفتعل الفتن إنما تنطبق عليهم هم أنفسهم، إنهم هم شيوخ الفتنة والمحاربون الحقيقيون لمنهج القرآن ومقاصده، بعد أن نصَبُوا أنفسهم كهنة مقدسين فى دين لا كرادلة ولا بابوات فيه، إنهم بلاء المجتمعات فى كل عصرٍ وأوان، عانى منهم المسلمون فيها كثيرا من ضلالهم وفسادهم حتى أن ابن رشد قال فيهم: "هم طائفة تشبه العوام من جهة والمجتهدين من جهة أخرى، وهم المسمون فى زماننا هذا بالفقهاء، فينبغى أن ننظر فى أى الصنفين أولى أن نلحقهم، وهو ظاهر من أمرهم أن مرتبتهم مرتبة العوام، وأنهم مقلدون... وكفى بذلك ضلالا وبدعة".