يحيى حقي.. أبو القصة القصيرة العربية
الكاتب ذو الأصل التركي الذي تخلل المجتمع المصري الشعبي بداخله، وتشبع بزخمه وتفاصيله، ليخرج إلينا على هيئة إبداع قصصي وروائي، إنه "يحيى حقي" الكاتب الذي أحدث طفرة في فن القصة القصيرة العربية، فصار أبا لها، ورائدا من رواد القصة القصيرة، الذي سار على حذوه الكثير من الأدباء والمبدعين في العصر الحديث، فهو القدوة والمثل الأعلى لكاتبي القصة القصيرة.
نشأة "السيدة"
ولد يحيى حقي سنة 1905 لأسرة من أصل تركي تقطن حي السيدة زينب بالقاهرة، وهو الحي الذي قضى فيه سنين طفولته، فكانت الولادة والنشأة سببًا لارتباط لازمه طوال حياته بالأحياء القاهرية الشعبية القديمة وبأهلها وبتقاليدهم.
أما والده "محمد حقي" فقد كان موظفًا بوزارة الأوقاف، وكان محبًا للقراءة والثقافة، وكان مشتركًا في عدد كبير من المجلات الأدبية والعلمية والثقافية، وكانت أمه كذلك حريصة على قراءة القرآن الكريم ومطالعة الكتب الدينية.
عمل يحيى حقي بعد تخرجه، في مدرسة الحقوق العليا عام 1925، محاميًا ثم معاونًا للإدارة بصعيد مصر، الذي قضى فيه عامين قبل أن يلتحق بالسلك الدبلوماسي.
وفي عام 1955، اختير مديرًا لمصلحة الفنون (النواة الأولى لوزارة الثقافة فيما بعد)، فكان له دور مؤسس في النهضة الثقافية التي عرفتها مصر في تلك السنوات وما بعدها، وفي عام 1962، تولى يحيى حقي رئاسة تحرير مجلة (المجلة) الشهرية لثماني سنوات، نجح خلالها في تحويل تلك الدورية إلى منبر ثقافي مؤثر، قدم من خلاله الكثير من المواهب الجديدة في ميادين القصة القصيرة والرواية والشعر والنقد.
خلال دراسته للحقوق، كتب يحيى حقي القصة القصيرة متأثرًا بالأدب الروسي.
"أم هاشم" والانطلاقة
في عام 1944، صدرت أول مجموعة قصصية لحقي بعنوان "قنديل أم هاشم"، وكما كانت المجموعة انطلاقة له، وارتبط اسمها باسمه حتى الآن، كانت أيضا انطلاقة في عالم القصة القصيرة، حيث كان لها الفضل في تعريف المصريين بالقصة القصيرة في مفهومها الحديث، ووضع فيها دون قصد منه الأسس التي سار عليها كتاب القصة القصيرة من بعده.
وكانت "قنديل أم هاشم" عملا أدبيا يحمل بين طياته الروح الشعبية المصرية، والحياة البسيطة في الشارع المصري، والانتقال ما بين الرزق والعمل و"الجدعنة"، وغيرها من مميزات المناطق الشعبية، وعندما غاب حقي عن مصر عدة سنوات كان يعمل خارج البلاد، عبر عن غربته وافتقاده لمصر قائلا "كنت دائم الحنين إلى تلك الجموع الغفيرة من الغلابة والمساكين الذين يعيشون على رزق يوم بيوم.. وحين عدت إلى مصر سنة 1939، شعرت بجميع الأحاسيس التي عبّرت عنها في (قنديل أم هاشم)".
وتعددت أعماله المتميزة بعد ذلك ومن أشهرها "فكرة فابتسامة، سارق الكحل".
حقي "الزوج الوفي"
تزوج حقي من السيدة نبيلة السعودي "مصرية – إنجليزية"، كانت سيدة باسمة مرحة من عائلة كبيرة، أحبها حقي ولكن لم يشأ القدر أن يستمر زواجهما أكثر من 10 شهور، حيث كانت الزوجة قد أصيبت في صغرها بحمى روماتيزمية، فأثرت عليها في شبابها، وقد نالت منها في شهور حملها؛ وهو ما أجهدها، خاصة وقد تبين إصابتها بالتهاب عضلة القلب الذي لم يكن له علاج، ووصلت حالة الزوجة إلى مرحلة حرجة خطيرة لا تستجيب معها للعلاج، وما لبثت الزوجة أن ماتت بعد أن وضعت مولودتها "نهى" بستة أشهر.
ظل حقي وفيًا لزوجته نبيلة، لم يتزوج مرة أخرى إلا بعد مرور 10 سنوات على وفاتها، حيث تزوج من سيدة إنجليزية تدعى "جان"، لكنه لم ينس زوجته الأولى يوما بل ظل وفيا لها، وكان كلما تذكرها بكى بحزن وتأثر، وكأنها لم تمت إلا في تلك اللحظة.
الوداع
في ضحى يوم الأربعاء، التاسع من ديسمبر، عام 1992م توفي يحيى حقي في القاهرة، عن عمر يناهز سبعة وثمانين عامًا، بعد أن خلف تراثًا كبيرًا من الفكر والأدب، إبداعا ونقدًا.