إن شاء الله.. إن شاء الله
في حياتنا، كل يوم، من طلعة النهار، حتى دخلة الليل البهيم، لا نكف عن نطق كلمات بلا وعي، هي ذاتها ملت وقرفت منا، بمناسبة أو غير مناسبة، نهتف كلما لاقينا أو فارقنا أي شخص، بقولنا: كل سنة وأنت طيب! في رمضان في غير رمضان، في عيد، في غير عيد، نحن "نلوك الدعاء"، بلا أي مبرر، ومن كثرة ابتذاله، فقد معناه، بل صارت الكلمات، ذاتها تستخدم، تعبيرا عن التسويف، وعدم الجدية، وتسمعها هكذا "يوووه لا بقه. ابقى قابلني، كل سنة وأنت طيب"، يعني راح الأمر ومات ولا جدوى.
والغريب أننا نريد كل شخص، أن يكون طيبا كل سنة وليس كل ثانية، وطيب أي على قيد الحياة، فيمر العام ويدور، وهو بعد حي يرزق.
شيء من هذا ألعن في استخداماتنا التافهة اليومية، وهو تعبير "إن شاء الله"، ولقد أمرنا الله بتقديم المشيئة قبل القول إننا سنفعل شيئا، ونحن بالطبع نستجيب، ونعلن المشيئة، لكننا لسنا جادين، في كل مرة، بل منا من إذا أراد التملص من وعد أو موقف أو مأزق. غمغم مبتسما "أيوه طبعا، إن شاء الله"، يقولها وهو يحنث بالوعد والعهد. هو يعرف أنه يكذب، بفجاجة، وتحت الدين، ونحن نستقبل كلماته بهبالة وحفاوة، مع أننا متأكدون أنه يسوف ويفض المجالس، ويتهرب من الالتزام بأي تكلفة اجتماعية أو عاطفية، أو مادية !
كيف هبط فينا احترام المشيئة إلى هذا الدرك الأسفل من أنفسنا، نمارس النفاق، والتهرب من المسئولية، بكلمات مغلفة بكتاب الله، رغم أن الله أمرنا بالوفاء بالوعود والعهود والنذور!
المتحدث يكذب والسامع يعرف أنه يكذب، لكنه يرضي بابتلاع الموقف، يأسا أو أملا، ويتلقى أولادنا عنا التعبير ذاته، ويرددونه، كلما اعتزم الشاب ألا يفي بوعد أو ينفذ عملا. يحدث منا هذا الابتذال، في وقت علا فيه الكلام باسم الله، وزاد عدد المصلين، ومدّعو الرحمة والبر والتقوي.
أكاد أتصور أو أسمع صوتا في طوابق السموات، يسخر من معلني المشيئة، وهم كاذبون، مراوغون، وصوتا آخر لا يقل تعجبا ممن يسايرون الكذابين باسم مشيئة الله! حين تقول إن شاء الله فأنت تعني الصدق وعقد النية على الفعل، لا على التسويف.
إن شاء الله تقرأ هذا الكلام، ونعمل به جميعا.