رئيس التحرير
عصام كامل

الثورة اسم النبى حارسها وصاينها!


لا أتفق مع مَن يُطلق على ثورة يناير اصطلاح المؤامرة الكاملة، أو حرب الجيل الخمستاشر من الحروب والتي خسرناها من اللطمة الأولى، ولا أحب أبدًا مَن يعشق تأليه الثورة، ويضعها أمامه كرَب أرباب مُقدَّس مُنزَّه عن الهوى أو الخيانة، ليصير كُل همّه في الحياة لا أن يسجُد ويركع ويُسبَّح له فحسب، لكن أن يُجبرنا نحن أيضًا على أن نفعل مثله، وإلا أصبحنا عبيدًا، بدون أن يمنحنا حق السؤال البديهى: بالذمة مين فينا كده اللى عبد؟!

مبدأيًا ثورة يناير كانت انتفاضة شعبية تلقائية، جموع من المصريين الثكالى انطلقوا في الشوارع والميادين اعتراضًا على ظلم وفساد وقهر، هكذا كانت الصورة الحقيقية والأولية للثورة، ولم يخلُ الأمر بالطبع مثل كُل الثورات أو الحروب من خونة ومُستفيدين، يا عزيزى الفاضل لا حرب في الدُنيا بلا جواسيس، ولا ثورة بلا خونة، ولا حرب بلا مُستفيدين، ولا ثورة بلا تُجار، الحرب مثل الثورة يا صديقى، يخوضها الشُرفاء، يصرخون ويُصابون ويستشهدون، ويجنى ثمارها (حرب أو ثورة) الأفاقون، وفى الثورات بالأخص (كما حدث في يناير) يجنى الأفاقون أرباحًا أكثر وأكثر من خلال المتاجرة بدماء الشُهداء، سواءً كانوا هؤلاء الشهداء أسوياء وشرفاء من البشر العاديين المُنتفضين تلقائيًا ضد الغلاء والفساد والمرض، أو المُجرمين الأنطاع الذين قُتلوا وراحوا في ستين داهية أثناء محاولاتهم لحرق ونهب المزيد من أقسام الشُرطة مثلًا!

باختصار: لا ذنب للشرفاء الذين شاركوا في ثورة يناير، أن يتساووا مع المُنحرفين والخونة والقبيضة واللصوص وتُجار الدين وتُجار الثورات الذين ركبوا الثورة نفسها، وفرَّغوها من أي مضمون شريف أو ثورى حقيقى، واحتكروا لنفسهم كلمة (الثوار) ليكونوا بمنأى عن أي مُلاحظة أو حساب أو انتقاد أو حتى لفت نظر لبلوة واحدة من بلاويهم التي لا تُعَد ولا تُحصى، وبالتالى لا يُمكن وصم كُل مَن شارك في يناير بأنه خائن أو مُجرم أو عميل أو استغلالى، لمُجرَّد أن كُل مَن طفوا على السطح بعدئذٍ (بحُكم التدريب والتنطُّع والأرباح) كانوا كذلك!

باختصار أكتر يناير كانت ثورة حقيقية، لكن شابها (مثل أي ثورة) وجود مستفيدين وتجار وخونة وعُملاء، جماعات دينية متطرفة، عُملاء وقبيضة من الخارج، بلطجية ولصوص ومُجرمين من الداخل، كُل هؤلاء استفادوا من الثورة وبالبلدى ركبوها، لكن الأنصح منهم جميعًا، وبصفتهم تنظيما عصابيا مُتكاملا ومُنظما كانوا جماعة الإخوان البُعَدَا (جماعة الإخوان المُسلمين سابقًا)، الذين تاجروا بالدين والسياسة والشهداء والأحياء والمصابين، وضربوا حُلفاء الأمس على قفاهم، ثم عاودوا التحالف معهم، قبل أن يضربوهم على قفاهم مُجددًا، وهكذا حتى كانت ثورة 30 يونيو التي أطاحت بالإخوان وبحلفائهم وبقفاهم!

طيب هل يجب تقديس ثورة يناير، وصك قانون بعدم إهانتها؟ طيب وماله، وحتى لو كانت اتفتحت خلالها السجون بمؤامرات خارجية وداخلية معًا، وبتنفيذ إجرامى من خونة الداخل، ليُقتَل ويُصاب مصريون أبرياء كُل جريمتهم هي إنهم كانوا عساكر أو ضُباط مسئولين أو مُكلفين بحماية قسم شُرطة أو محكمة أو سجن، ويُصبح العسكري مُذنبًا حتى لو مات، ويصير الثائر مُحقًا حتى لو قَتَل!

وماله لما نقدِّس ثورة يناير بعيوبها، الانفلات الأخلاقى، وتدمير المُنشآت، وضرب الاقتصاد، والقضاء على الأمن، والسماح للقبيضة والإرهابيين (إرهابيو الدين / التيار الإسلامى ـ وإرهابيو الفكر / التيار العلمانى والأبريلى والاشتراكيين المش عارف إيه وخلافهم) ونشطاء الغبرة المُتاجرين بكُل هموم وقضايا الوطن، لا بحثًا عن حُرية ولا ديمقراطية، لكن بحثًا عن مزيد من الحرائق والخلافات والعمل الدؤوب (باحترافية وتخطيط مدروس لا بتلقائية أو اجتهاد على ما تُفرَج) على انهيار ما تبقى من الدولة، وتسليم رفاتها لجماعة الإخوان، يعنى مطلوب ناخُد الثورة على عيبها كده ونقدّسها وأى واحد يجيب سيرتها نصلُبه أو نمّده على رجليه، أو نقطع رقبته حتى لو كان هو نفسه أصلًا أحد صُناعها من خلال مُشاركته فيها بلا غرض تخريبى أو تآمُرى أو تُجارى، ماشى موافق!

طيب لماذا لا يتم تقديس الشُرطة المصرية بنفس الطريقة، ومهما تعددت أخطاؤها؟ لماذا لا يتم تقديس الجيش؟ أكيد أخطاء أو حتى خطايا الشُرطة، أو كمان أخطاء الجيش لا يُمكن أن تصل لهذا الحد من التدنى الذي وصلت إليه خطايا المُستفيدين من ثورة يناير والتي ارتكبوها في حق الوطن طوال سنين سوداء أخيرة مرَّت علينا، لماذا لا نقوم بتقديس الدولة المصرية نفسها؟ لماذا لا نقوم بتقديس القانون؟ طيب نقدِّس القضاء، لماذا لا نمنع إهانة الداخلية، طيب والخارجية؟ أرجوك كلّمنى عن منع إهانة الجيش؟ لا تُحدثنى عن المُحاكمات العسكرية أرجوك، فهى تُزيد من نسبة الجَرَب والهَرش عند النُشطاء، وأنا مش عاوزها، لكن إشمعنى يعنى نحاكم مَن ينتقد ثورة يناير، وهى مليئة بوجوه النقص ووجوه العفن التي قرفتنا في الفضائيات كتير، ولا نُحاكم مَن ينتقد جيش الشعب مثلًا، ناهيك عن مَن يقتل جنوده أو يُخرب منشآته وآلياته؟!

سايق عليك النبى تركَّز معايا في سؤال آخر وتقول لى: لماذا لا نُحاكم مَن يُهين القضاء، رغم إننا عاوزين نحاكم مَن يُهين الثورة أمام نفس القضاء الذي نسمح بإهانته دون أن نُقدِّم له رُبع الحماية التي نُقدِّمها لاسم النبى حارسها وصاينها الثورة؟!
الجريدة الرسمية