رئيس التحرير
عصام كامل

قانون "حماية" يناير.. و"اغتيال" المنطق !


يمكنك في مصر أن تختار دينك والقانون يحميك..ويمكنك أيضا أن تترك كل الأديان والقانون سيحميك ما لم تسب علنا عقائد الآخرين..ويمكنك في مصر أن لا تلتزم بتعاليم رب السماء..فلا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولن يعاقبك أحد بقاعدة لا إكراه في الدين وبمبدأ أن العبادات علاقة حرة بين العبد وربه..ويمكنك في مصر أن تختار مذهبك الفقهي كما تشاء..حنفيا كنت أو مالكيا أو شافعيا أو حتى حنبليا..ويمكنك في مصر أن ترتدي أختك أو زوجتك أو ابنتك النقاب أو الحجاب أو لا ترتديهما أو يمكنك أن تسمح لهن بالتبرج بما شِئن من تبرج بحجج شتى أو بقناعات لها ما يسندها من منطق أو بما تراه أنت أنه منطق..ويمكنك في مصر أن تهاجم ثورة يوليو..


الثورة الأم في البلاد والتاج السياسي للوطن مهما بعد بها الزمن بل وخصوصا كلما بعد بها الزمن..وفي مصر يمكنك أن تهاجم عبد الناصر أو تتهجم على السادات..ويمكنك أن تشكك في وطنيتهما ويمكنك أيضا أن تشكك في حربي الاستنزاف وأكتوبر.. ويمكنك في مصر أن تنكر أحداثًا تاريخية مهمة..دينية أو سياسية..فلا الحمام عشش على غار حراء ولا العنكبوت نسج خيوطه..ويمكنك أن تنكر أن عرابي لم يمتطِ جواده ولم يواجه الخديوِ..ويمكنك أن تهاجم محمد عبده وتكفر طه حسين وتلعن قاسم أمين..ويمكنك أن تذهب للقضاء تطالب بالزواج الثاني أو الطلاق الأول إن كنت مسيحيا..ويمكنك أن تطلب الهجرة خارج البلاد أو تتخلى عن الجنسية..

يمكنك أن تطعن في شرف أي سيدة وتنكر النسب منها أو تتهمها بالزنا أو تحجر على والديك أو أحدهما..ويمكنك أن تتزوج من الثانية والثالثة والرابعة حتى بغير الالتزام بشروط الشرع..ويمكنك أن تخالف أكثر وأكثر وتدخل بارات وسط القاهرة أو أطرافها أو حاناتها المدفونة في قلب شوارعها القديمة وتخرج لتعود إلى بيتك لن يستوقفك أحد إلا إن أذيت أحدًا أو خالفت قانونا فأنت وغير السكارى سواء بسواء..يمكنك أن تزوج ابنتك وهي قاصر فالقانون يرفض والشرع عند أهل الجهل يبيح..ويمكنك أن تجبرها على الختان متجبرا مستعضلا..يمكنك أن تخالف أي شريعة كل شريعة وأن تخالف أي قانون وكل قانون..

يمكنك أن تترك عقلك عند أقرب حادث فارق وتجن..ويمكنك أن تلقى بنفسك إلى النيل لتترك حياتك كلها عند أول كوبري فلن يحاكموا الجثة وإن نجوت فلن يحاكموك..في مصر..يمكنك أن تفعل كل شيء أو لا تفعل أي شيء..إلا..إلا..إلا أن تهاجم يناير وثورة يناير..

حتى لو أقسمت وأقسمت أنك شاركت فيها أو أنك تريد تطهيرها من نجس الأنجاس ورجس الشياطين..أو حتى أنك تفرق بين من ثار وهو شريف وبين من تآمر وأفسد عمل الشرفاء وهم أولى بفضحه والتطهر منه..أنت مدان إن اقتربت من يناير وأنت مدان حتى إن ابتعدت عن يناير..قصدت أو هفوت..تعمدت أو سهوت..إن أقسمت أو صمتّ.. فيناير ستكون بالقانون - بالقانون - أقوى من الدين وتعاليم الدين وأقوى من المقدس الإلهي ومن غير المقدس البشري..وأقوى من تاريخ البلد ومن صانعيه.. وذلك - ويا للدهشة - بفعل من يقول - يقول - إنه ثار من أجل الحرية والكرامة الإنسانية..إي والله.. من ثار من أجل الحرية - الحرية - والكرامة الإنسانية ولا حول ولا قوة إلا بالله !

الجريدة الرسمية