رئيس التحرير
عصام كامل

الشعب المصرى والتظاهر


من المؤكد أن التظاهر حق من الحقوق المشروعة سيما التظاهر السلمى الذى لا يؤدى إلى ما يعرف بتوقف الحياة والإضرار بالمنشآت العامة للدولة.

ومن المؤكد أيضاً أنه لابد وأن يكون هناك قانون للتظاهر لتنظيمه على النحو الذى يحقق الغرض منه كأحد أدوات التعبير السياسى وفى ذات الوقت التمهيد لتحقيق التغيير المطلوب.

ولكن فيما يبدو أن فترة الكبت والقهر الطويلة التى عانى منها الشعب المصرى بكافة مستوياته على مر عقود طويلة قد جعلته يصل إلى تلك الحالة من الانفلات فى التظاهر، أو ما يمكن أن نسميه بحالة من التعطش والنهم والخوف الاستباقى من حدوث الاستتبداد من أية نخبة سياسية كما حدث بالماضى.

ومردود ذلك هو أن على أية حكومة أو النخبة السياسية التى تحكم مصر الآن أن تكون مؤهلة وعلى دراية بذلك الواقع .. كما أن تجاهله لن يؤدى إلا إلى المزيد من التظاهر المشوب بالعنف بالقطع نتيجة عدم الاستجابة .. وقد يكون هناك متغير هام أخر لابد من أن تأخذه السلطة السياسية فى الاعتبار وهو أن عامل الخوف من الدولة (ممثلة فى السلطة السياسية) قد سقط بعد سقوط نظام مبارك ورأينا أن الشعب كله بمختلف فئاته العمرية وأيضاً شرائحه وانتماءاته يخرج للتظاهر دون أدنى خوف.

بل إن الكثير من الأسر التى كانت فى حكم المحافظة قد تغيرت لديها الصورة تماماً، واصبحت تشجع أولادها على الخروج فى التظاهرات.. وقد كان ذلك أحد الثمار اليانعة لثورة يناير، وهى انهيار حاجز الخوف والذى قفز عليه الشعب كله فى أعقاب جمعة الغضب الحقيقية، ومازالت التظاهرات مستمرة وقد يرى البعض أن ذلك يمكن أن يقود إلى حالة من الفوضوية العارمة التى تحمل فى طياتها سقوط وانهيار الدولة وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حد كبير جداً، ولكن علينا ألا نحمل الشعب وحده مغبة ما يحدث، إذ أن هناك أطرافا وقوى وتيارات سياسية لها مصلحة فيما يحدث، لأنها تريد أن تقفز على السلطة ومن ثم فهى تسعى إلى تهييج الشارع مستغلة تلك التجاوزات أو الأخطاء التى تقع فيها السلطة السياسية.

إن مجمل المتغيرات التى فى الشارع المصرى من شأنها أن تؤدى إلى حدوث التظاهر، وإنه من السهل حث المصريين على الخروج، لأن لديهم الدوافع التى هى موجودة بالفعل.. كما أن هناك العديد من القضايا المعلقة التى لم يتم حلها من جانب الحكومة وأن هناك العديد من المآخذ على أداء الحكومة فى معالجة المواقف والتعامل مع الأحداث المتعاقبة والتى قد لا يكون لها اليد المطلقة فيها، ولكنها هى التى تتحمل ذلك بحكم موقعها.. كان يمكن أن تكون فى وضع أقوى وأكفأ فى مواجهة الأزمات إذا ما استطاعت أن لا تنفرد بالحكم وحدها وإذا ما استطاعت أن تتعامل بعقلية سياسية برجماتية بحتة بعيدة عن الانتماءات والمعتقدات والأجندات القديمة طويلة المدى.
الجريدة الرسمية