رئيس التحرير
عصام كامل

حوار مع «عزرائيل»


أبي العزيز الغالي، أبعث لك رسالة مكتوبة بدمع العين ووجع القلب وبيد مرتعشة، أكتب لك رسالة تعاتبك عن مغادرتك لي في وقت غير مناسب، أعلم أنها حكمة الله وقدره ولكن دائمًا كنت توعدني أنك ستظل معي تزوج "أدهم" ابني الكبير "ونور" ابنتي الوحيدة، التي دائمًا كانت تلاعبك وتشاكسك.. والدي إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك لمحزونون.


أحدث التراب الذي ترقد عليه.. وأكشف عن حوار دار بيني وبين ملك الروح «عزرائيل» الذي وجدته أمامي يوم 18 أغسطس الماضي وسط ظلام أمام عيني وكأن أحدًا يضع على وجهي ستارة سوداء.. لم أبالي ظننت أن شيئا قد يحدث لزوجتي التي كانت مريضة أثناء فترة حملها أو شيء يحدث للجنين كما كان يخبرني الطبيب دائمًا، ولكن أصابتني مصيبة في أعز الناس إنه والدي.

خاطبت عزرائيل: هل أنت زائر أم قابض روح؟
قال: متى كنت زائرا؟ 
فقلت: هل ستأخذ روحي؟ 
قال: لا
قلت: إلى من أتيت يا من تنفذ إرادة المولى وتعمر القبور؟
قال: هذا اليوم غير أي يوم، جئت أقبض روح شخص أعلم جيدًا مدى حبك له وارتباط روحك به.
قلت: تقصد والدي؟
قال: نعم
قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. اتركه لي حتى ينفذ آماله في أحفاده.
قال: لن يكون أغلى من نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن لا تخبر أحدًا فإن أجله ليس الآن.

هذا الحوار دار بيني وبين نفسي خلال طريقي إلى المستشفى، وظل أبي يصارع المرض ليخالف جميع الدراسات التي تمت على مثل حالته، وظل يقظًا أثناء مرضه.

وعندما تحسنت حالته قليلًا وعاد للمنزل ظننت أن لقائي بـ "عزرائيل" كان تخاريف لأفاجأ بمرض والدي، يعاود ضرب جسده من جديد صباح يوم 22 سبتمبر الماضي، وأثناء انتقالي إلى المستشفى كنت حريصا لأكون بجواره أنا ووالدتي العظيمة التي أتمنى أن تكون كل زوجة مخلصة لزوجها مثل أمي، حتى طلب منا أحد المستشفيات الانتقال به لمستشفى آخر لأجد نفسي أجلس بجوار السائق في سيارة الإسعاف وأترك والدي في الخلف على سريره مع والدتي، ولحظة تحرك السيارة وجدت نفسي في عالم آخر لأتقابل مرة أخرى مع عزرائيل صامتًا.

قلت: حان الوقت؟
قال: تذكر قول الله تعالى (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ).

وصمت بعدها وتركني لأستيقظ مرة أخرى أمام باب المستشفى أهرول على والدي؛ لأطمئن عليه وأثناء ترجله من باب السيارة كانت لحظة الفراق قد حانت، وسط صراخ والدتي وأبناء عماتي محمد وأشرف، ولكن المفاجأة الأكثر أنهم وجدوني صامتًا متماسكا حتى نزول والدي قبره ووقتها لم أستطع التحكم في نفسي.

وصايا للقبر
تحدثت مع القبر أقول له نخلت منك الحصى والطوب.. يا قبر موقع مرقد والدي هو الذي اختاره.. يا قبر كن حنينا عليه.. يا قبر بجوار أبي تركت فيك أول دمع تسيل من عيني منذ وفاته.. يا قبر كن سالمًا آمنًا منيرًا رطبًا على والدي.

حوار الأرواح
منذ خروجي من القبر بدأ حوار الروح.. تذكرت مقولة والدي "وصيتي يا أحمد تنفذ وبما أن النفس أمارة بالسوء وجدت في أحد اللحظات أمامي قول الله تعالى "وبصرك اليوم حديد"، وعلمت أن والدي يراني من قبره أكثر مما كنا في مكان واحد، فقمت بتنفيذ كل ما طلبه مني، ولكن دائمًا كل الأماكن مشتاقة له، ترك "كتاب الله" الذي كان يقرأه بشكل يومي، ترك "مسبحته" التي كان دائمًا يستغفر بها، ترك "مصليته" التي كان يسجد لله فوقها، ترك كل شيء حتى أنه تركني إلى مجهول ينتظرني لا يعلمه سوى الله عز وجل، تركني ونظرات الناس محتارة في حالي حتى قلت لهم لا تحسبوني أرقص فرحا، فالطيور عند ذبحها ترقص من شدة الألم.

تركني ولم يبق سوى حقيقة واحدة وهي أنه لن يعود مرة أخرى.. تركني وترك لي نصائحه.. غادر والدي ولم يبق منه سوى سيرته الطيبة وروحه العطرة التي أشعر بها في كل ركن جمعنا.. والدي الغالي رحمك الله وإن طالت الأيام فسوف ألحق بك وأرقد في حضنك كما كنت أفعل في حياتك.
الجريدة الرسمية