فوبيا «براءة مبارك»
يُبنى مستقبل الأمم بالتفكير العقلاني، وليس بالعواطف والأهواء. لا أزعم أن ما سأقوله يمثل التفكير العقلاني الصائب دون غيره، لكنه محاولتي تجاه ذلك؛ فبعد رصد أغلب ردود الأفعال من القوى السياسية والنشطاء والبعض من عامة الناس طوال الفترة الماضية، يمكنني القول بأننا نعيش الآن فوبيا «براءة مبارك»، وأصبح هناك مفهوم روج له البعض بأن نجاح ثورة يناير يعني الحكم بالإعدام على كل من يمت للنظام السابق بصلة، دون التفكير في كيفية العبور للمستقبل، ورغم أنه من المستحيل انتظار نتائج مختلفة من مقدمات متشابهة، إلا أن هناك من ينتظر نتائج مختلفة من نفس المقدمات، وهكذا وصل للبعض شعور بأن براءة مبارك تعني إدانة ثورة يناير، ما دفع للتفكير في إصدار قرار يجرم الإساءة لأي من ثورتي يناير ويونيو، تأكيدا على رغبة الدولة في المضي لطريق البناء وتحسين أحوال مصر بالاستناد للقوة الدافعة لثورتي يناير ويونيو.
ويتغافل الكثيرون عن مرور الوقت، واقتراب الانتخابات البرلمانية دون تواجد في الأرض للقوى الحالمة، والتي لم تحاول إلى الآن محاسبة نفسها، لتكتفي فقط بإلقاء التهم على كل الآخرين، دون محاولة تحليل نقاط القوى والضعف في النخبة السياسية والحركات والأحزاب المتواجدة منذ زمن بقوة القصور الذاتي فقط.
في اعتقادي السؤال الجوهري بشأن ثورتي يناير ويونيو يجب أن يكون: هل تم غرس الوعي الثوري والوعي الحضاري في المواطنين من أجل العبور للمستقبل أم لا؟ في اعتقادي أنه كان أمامنا طريقان، الأول طريق الدفاع عن القصاص والرغبة الانتقامية الصبيانية من رموز النظام السابقة، وهو ما غرقت فيه العديد من القوى السياسية، وبدأنا في مرحلة فرز وتصنيف والصاق ملصقات الوطنية والتخوين والتكفير تجاه بعضنا البعض، بينما كان هناك طريق آخر أكثر سرعة في الوصول للمستقبل الأفضل، وهو طريق التفكير في المستقبل ذاته والعمل من أجله، واستغلال كل الموارد والخامات والكوادر الموجودة من أجل البناء، ونيلسون مانديلا هو المثال الأبرز لذلك، إلا أن الطريق الثاني رغم كونه يفتح الباب لحالة التلاحم، لكنه لا يحقق متطلبات البعض عن فهمه للسياسة بوصفها شتما في الآخر، وإهانة لكل الأطراف، واتهام وتحميل جميع الأطراف المسئولية دون الإقرار بخطأ شخصي ذاتي لأي أحد.
حتى الفصيل الذي يرفع السلاح جهارا نهارا ويروع كل المصريين يرفض أن يعترف بأخطائه، حتى رموز النظام السابق يرفضون الاعتراف بمسئوليتهم عما وصلت له مصر من بؤس وعوز، حتى الإعلاميين حتى البسطاء ممن يمارسون الإهمال اليومي في عملهم، كلنا ليست لدينا القدرة أو الشجاعة على الاعتراف بأخطائنا، لذا حمَّلناهم جميعا لشخص مبارك، ولا أُعفي مبارك ونظامه من مسئولية ما وصلت إليه الأمور إلى الآن، بل هو مسئول رئيسي، لكنني أيضا لا أعفي الجميع في هذه اللحظة من مسئولية التأسيس للمستقبل في ظل الأوضاع الراهنة بما يحقق أكبر كم ممكن من المكاسب وأقل كم ممكن من الخسائر.
لا يمكن الوصول لتخطيط قوي وسليم للمستقبل إلا بالتخلص من عقدة إلقاء المسئولية على الآخرين، وعقدة عدم الاعتراف بالأخطاء، وعدم القدرة على التعاون والعمل الجماعي للمستقبل، والأهم التخلص من عقدة الإسقاط على مبارك، نحن بحاجة لإغلاق صفحات كثيرة مؤلمة، لنبدأ في كتابة صفحات جديدة للمستقبل، حتى لو كان إغلاق هذه الصفحات يعني بعض الأمان والنجاة لبعض الأشخاص، لكن ترى كم نخسر وكم نستهلك من الوقت من أجل محاولة إدانة هؤلاء الأشخاص قانونيا؟ رغم أن الحكم الشعبي قد صدر منذ زمن، وبالمناسبة الحكم الشعبي أدان الجميع، وانتصر مرارا لاستقرار مصر حتى لو على حساب أحلام سياسية لبعض القوى، فلنفكر في المستقبل، ولنجر حسابا ذاتيا ونعدد الأخطاء من أجل الاستفادة منها وليس من أجل الغرق في جدل حولها، ولنبدأ حياة جديدة على أمل الوصول لنتائج جديدة، وأنبه بشدة أنه دون قدرة القوى السياسية وشباب النشطاء وكل الحالمين لمستقبل أفضل لمصر على أن يكون لهم ظهير شعبي يمكنهم من تحقيق مكاسب برلمانية ومنافسة انتخابية، فلا أمل في الوصول لأي طريق ممهد لمستقبل حضاري لمصر.