المركز الإقليمي للدراسات: إمكانية كبيرة للتقارب بين روسيا وتركيا حول القضية السورية.. تعزيز المصالح الاقتصادية الدافع الأبرز بين الدولتين.. رغبة تركية روسية في تنحية الخلاف حول مصير الأسد جانبا
أصدرت وحدة العلاقات السياسية الإقليمية بالمركز الإقليمي للدراسات تقريرا له اليوم الخميس، حول إمكانية إدارة كل من تركيا وروسيا للخلاف حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، تحت عنوان "تقارب محتمل".
وقال التقرير إنه بالرغم من وجود "اختلاف" في السیاسات، وربما في المصالح بین روسیا وتركیا تجاه العدید من القضایا الإقلیمیة في الشرق الأوسط، إلا أنه من الواضح أن هناك توجها ما لدى البلدین للقفز على قضیة الخلاف الرئیسیة، ممثلة في سوریا، وخلق مساحات مشتركة، بدافع تعزیز المصالح الاقتصادیة، على نحو قد یقلل من الفجوة بینهما حول هذه القضیة.
واعتبر التقرير أن مشاركة الرئيس الروسي فلادیمیر بوتین، في اجتماع مجلس التعاون الروسي- التركي، خلال زيارته لتركیا في أول الشهر الجاري بمثابة مؤشر على رغبة روسیا في "فصل" القضیة السوریة عن غیرها من القضایا، في إدارتها لعلاقاتها مع تركیا، وذلك لكون الخلاف حول سوریا جوهريا، خاصة أن روسیا ترى في نظام الأسد حليفا لها، في حین تسعى تركیا إلى إسقاطه.
وأضاف: "ولعل ذلك یفسر تأكید بوتین على أن الأسد "یتمتع بالشرعیة عبر صنادیق الانتخابات" التي أجریت في یونیو ۲۰۱٤، وهو ما رد علیه الرئیس التركي رجب طیب أردوغان بقوله أنه "لا توجد إمكانیة لتسویة الأزمة في ظل بقاء الأسد"، كما أن متابعة تصریحات بوتین حول سوریا تفید بأنه یرغب أیضا في أن یدفع تركیا إلى التعاون في قضایا فرعیة نتجت عن هذا الصراع، مثل الحیلولة دون تكرار النموذج العراقي في سوریا، والذي كانت فیه إیران هي الفائز الأكبر، على حساب تركیا وغیرھا من دول الجوار".
ويؤكد التقرير أن التطورات الأخیرة تكشف عن وجود رغبة مشتركة في تنحیة الخلاف حول سوریا جانبا، حیث تعتمد أنقرة على الغاز الروسي لتلبیة احتیاجاتها، واستمرار ارتفاع أسعاره یمثل لها مشكلة، خاصة أنها تعد ثاني أكبر مستورد للغاز الروسي بعد ألمانیا، ومن جانب موسكو، فإنها تسعى إلى تنویع علاقاتها الاقتصادیة في ظل التأثیرات السلبیة للعقوبات المفروضة عليها بسبب الأزمة الأوكرانیة.
وقد أشار بوتین إلى أن التعاون الاقتصادي مع تركیا یحظى بأهمیة خاصة من جانب روسیا، حیث تأتي تركیا في المرتبة الثانیة في قائمة الشركاء التجاریین لروسیا، وقد وصل حجم التبادل التجاري بین الدولتین، وفقا لبعض التقدیرات، إلى نحو ۳۲٫۷ ملیار دولار.
وحول إمكانية التقارب حول سوريا يقول التقرير إن هناك خلاف جوھري بین روسیا وتركیا حول الوضع في سوریا، ففي حین دعمت تركیا المعارضة السوریة، ساندت روسیا نظام الأسد، وقدمت له الدعم السیاسي من خلال عرقلة كافة الجهود التي سعت للإطاحة به، والدعم العسكري الذي شمل، طبقا لعدة تقاریر، أنظمة مضادة للصواریخ، وصواریخ مضادة للسفن، وطائرات التدریب، وطائرات بدون طیار.
ويشير التقرير إلى امتداد الخلاف أیضا إلى رؤیة الطرفین لكیفیة تسویة الصراع، ففي الوقت الذي سعت فیه تركیا إلى تغییر میزان القوى على الأرض من خلال دعم المعارضة المسلحة، فإن ضعف هذه المعارضة وتفككها لم یمكنها، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف على اندلاع الثورة، من حسم الصراع لصالحها، ما یجعلها بالنسبة لتركیا رهانا خاسرا حتى الآن، إضافة إلى أن مواقف القوى الدولیة من الصراع في سوریا لا تتقاطع مع الموقف التركي.
ويشير التقرير إلى موقف إدارة الرئیس الأمریكي باراك أوباما المتحفظ على إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوریا، والذي یعد مؤشرا مهما على ذلك، مؤكدا أنه ورغم اتجاه إدارة أوباما إلى دعم وتدریب المعارضة "المعتدلة" في سوریا، فإن قدرتها على حسم الصراع دون تدخل عسكري خارجي لا تزال محل جدل، خاصة أنه لم ُیعلن أن الهدف من تدریبها هو إسقاط نظام الأسد، حیث تحظى الحرب على "داعش" بالأولویة في الفترة الحالیة.
ويؤكد أن النتیجة المترتبة على العملیات العسكریة التي تنفذ في سوریا في إطار الحرب على "داعش" ستعزز من موقف نظام الأسد وخطابه الذي صور ما يجري في سوریا على أنه مؤامرة وإرهاب، ولیس ثورة، ما یمثل تطورا إیجابیا لحلفائه الإقلیمیین وروسیا، خاصة أن الأخیرة نجحت، وفقا لاتجاهات عدیدة، في الحصول على تنازلات من واشنطن حول كیفیة تسویة الصراع في سوریا، كما استطاعت فتح قنوات اتصال مع ممثلي المعارضة السوریة، بالإشارة لزيارة معاذ الخطیب الرئیس الأسبق للائتلاف الوطني السوري المعارض إلى موسكو، في ۸ نوفمبر الماضي، لبحث الوضع السوري.
ويشير التقرير إلى تقاریر غربیة تقول إن روسیا تمد نظام الأسد بالمعلومات الاستخباراتیة، حتى تمكنه من إحباط أی مخططات لـ"داعش" تهدف إلى مهاجمة المناطق التي تخضع لسیطرته، بل إنها طالبت في ۲۳ سبتمبر ۲۰۱٤، القوى الدولیة والإقلیمیة بالتنسیق مع الأسد لمواجهة تنظیم "داعش".
ويوضح أن نجاح تنظیم "داعش" في تحقیق مكاسب استراتیجیة في العراق وسوریا وتزاید قدرته على التمدد في سوریا؛ دفع حلفاء تركیا من الدول الغربیة، وعلى رأسهم الولایات المتحدة، إلى منح الأولویة لمحاربة نظام "داعش" ولیس إسقاط النظام السوري، على نحو یترك تركیا دون ظهیر دولي یدعم موقفها من سوریا، وهو ما قد یضطرها للتخلي عن هدف الإسقاط الفوري للأسد لصالح قبول ما تطرحه روسیا حول التسویة السیاسیة للصراع.
ويضيف التقرير: "وتظل تكلفة هذا التنازل من جانب تركیا مرتبطة بحساباتها الخاصة بحجم التداعیات السلبیة المترتبة عليها من استمرار الصراع في سوریا، لاسیما مع زیادة عدد اللاجئین الذین تستضیفهم، والذي بلغ أكثر من ۱٫٥ ملیون سوري، حیث أشارت هيئة مكافحة الأزمات والكوارث الطبیعیة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء التركي، في هذا السیاق، إلى أن عدد اللاجئین السوریین في بلدة الریحانیة الحدودیة أصبح یمثل ثلث سكان الریحانیة".
ويختتم التقرير بالتأكيد على أن هناك ثمة مصالح عدیدة تجمع كلا من روسیا وتركیا، خاصة في المجال الاقتصادي، على نحو یبرر توجههما إلى تبني سیاسة "الفصل" في التعامل مع القضایا الإقلیمیة التي تحظى باهتمام مشترك، ورغم أن الأزمة السوریة تعد محور الخلاف الرئیسي، إلا أنها قد تكون في الوقت نفسه القضیة التي تحقق قدرا أكبر من التقارب بین الجانبین، لاسیما في حال ما إذا اتجهت تركیا إلى التنازل جزئیا عما تسعى لتحقیقه في سوريا.