اطلبوا الدروس ولو من إسرائيل
لست مع الكاتب الأمريكي الشهير فريدم هاوس في أنه لا توجد دولة مثل إسرائيل، تواجه كل هذه المخاطر والتهديدات. فهي كما قال في مقالته بصحيفة النيويورك تايمز فهي "مُطوقة من أربع جهات حدودية لها من أصل خمس جهات - جنوب لبنان، غزة، سيناء وسوريا - ليس من ناحية الدول بل بميليشيات، ترتدي ملابس مدنية، مسلحة بالصواريخ ومختبئة داخل مجتمع مدني".
ففي الظروف الحالية هناك العديد من الدول التي تواجه مخاطر أكبر مثل سوريا وليبيا ومصر والعراق. لكن من المؤكد أن إسرائيل منذ نشأتها هي الدولة الأكثر تعرضًا لتهديدات ومخاطر في الشرق الأوسط. فهي محاطة طوال الوقت بمحيط عدائي من الدول العربية. وكما كتبت من قبل تعرضت أيضًا لمخاطر داخلية عنيفة، فمواطنوها من الجيل الأول وحتى الآن قادمون من ثقافات وبقاع مختلفة من العالم. كما أن فيها متطرفين دينيين يهودا، بل وتعيش على أرضها طائفة يهودية ترفض من الأساس دولة إسرائيل وتعتبرها ضد اليهودية. كما أن فيها الفلسطينيين الذين تمسكوا بالبقاء ونسميهم عرب 48، وهؤلاء أديان ومشارب مختلفة. ففيهم من حمل السلاح ضد دولة إسرائيل لإبادتها من خلفية يسارية. وفيها أيضًا إخوان مسلمين وغيرها من التنويعات الإسلامية بما فيها المتطرفة والإرهابية. وفيها أخيرًا الذين انضموا إلى داعش وعادوا.
هذه المعلومات ليس هدفي منها أن تعجبك إسرائيل أو لا تعجبك، ولكن هدفي منها أن دولة تتعرض لكل هذه التهديدات والمخاطر لم تتفكك. ليس الأمر فيما أظن كما روج إعلامنا وأنظمة الحكم طوال عقود، بأن السبب هو الدعم الأمريكي والغربي. ولكن أيضًا وهو الأهم هو بناؤها المؤسسي، والأسس التي تقوم عليها الدولة وهي لا تتغير بتغير الحكام، سواءً كانوا من الصقور أو من الحمائم، وحسبما أعرف:
•لم تتنازل هذه الدولة الصغيرة عن الخيار الديمقراطي، بمعنى أنه لم يحدث أن تم إلغاء انتخابات أو تغيير القوانين الديمقراطية، ولا اتخذت إجراءات استثنائية تهدد طبيعتها الديمقراطية، بحجة المخاطر والمؤامرات الخارجية.
•لم يتم تقييد الحريات، وعلى رأسها حرية الصحافة والإعلام ولا الحريات الفردية والعامة.
•لم يحدث حسبما أعرف أن تم العصف بالمعارضين، بمن فيهم المتطرفون، وبمن فيهم الذين يرفضون دولة إسرائيل. ربما حدثت حالات هنا وهناك، ولكن لم يتم وضع قوانين دائمة تهدم الأسس الديمقراطية.
•طوال عمر إسرائيل، لم يحدث أن تم مثلًا حرمان عرب 48 من حقوقهم في الانتخاب والترشح للبرلمان، حتى أثناء الحروب التي خاضتها، وأهمها هزيمتها المرة في 1973.
باختصار ودون الخوض في مزيد من التفاصيل، فإسرائيل رغم كل الصعوبات ورغم كل التهديدات الداخلية والخارجية لم تتنازل أو تهدم أسس الديمقراطية التي قامت عليها، ولم تهدم أسس الدولة التي بنتها. وهذه الديمقراطية من المؤكد أن لي ولك الكثير والكثير من الملاحظات عليها. فإسرائيل ليست الجنة دون شك. لكن الدرس المهم الذي نحتاج إلى تعلمه من "عدونا"، هي أنه انتصر وعاش وواجه كل هذه الأخطار بالحرية والديمقراطية وليس بالاستبداد.
saiedshoaaib@gmail.com