رئيس التحرير
عصام كامل

اسرق وابجني..تفلت من سجني


من حقك أن تسرق مال الدولة وأن ترتشى دون أن تُعاقب أو تُحاكم أو تدخل السجن، بشرط أن تدفع ضعف ما سرقته للدولة !!، هذا هو المعنى الذي فهمته من تصريح وزير العدل المستشار محفوظ صابر بعد لقائه بالرئيس السيسي أمس الأول.

قال وزير العدل بالنص "هناك تعديلات جديدة بقانون الكسب غير المشروع تتيح التصالح مع الدولة سواء في مرحلة التحقيق، أو بعد الإحالة إلى المحاكمة، ويقوم المتهم بسداد الأموال التي تكسبها مضافا إليها مثل قيمتها، أو عقب صدور أحكام يسددها مضافا إليها ضعف قيمتها".

لقد عانت مصر من 30 سنة فساد، ومن غير المقبول أن تقايض الدولة المصرية السرقة والرشوة بالدفع حتى لو كان هذا الدفع ضعف أو حتى عشر أضعاف المبلغ المسروق، وكأنها تقول لأصحاب الضمائر الغائبة والنفوس المريضة اسرقوا وادفعوا في أي مرحلة من مراحل التقاضى ولن تنالوا العقاب.

كلام وزير العدل يعنى أن الدولة تعلى مبدأ جباية الأموال على حساب محاربة الفساد، وتكرس لفكرة مقايضة العقوبة بالدفع، وهو توجه بات ملحوظا وواضحا في تعاطى الدولة مع كثير من الجرائم والمخالفات خصوصا بعد 30 يونيو.

شرطة المرور مثلا لم تعد مهتمة بحل أزمات الاختناق المرورى في الشوارع، بل بتحصيل المخالفات وجباية الأموال من الناس، أيضا منذ أن لوحت الدولة بقانون التصالح في مخالفات البناء مقابل دفع ما يعادل مثل التكلفة، تفتحت شهية الفوضويين وأعداء القانون والفاسدين للمخالفة والاستيلاء على أراضى الدولة وبناء مزيد من الأدوار وتهديد أرواح المواطنين وتجريف مزيد من الرقعة الزراعية بدافع الجشع، لأن المثل يقول "اللى تعرف ديته..إقتله "والدية في حالة الرشوة "أصبحت سهلة" وهى الفلوس وليس السجن بعقوبة مشددة رادعة، وهو ما يعنى أن الدولة تحولت إلى سمسار وأصبح كل شيء وأى شيء فيها مباحا مقابل الفلوس، وقيل إن الدولة تستهدف من قانون التصالح في مخالفات البناء تحصيل 200 مليار جنيه، غير أننى أشك في أن تنجح في تحصيل 10% من هذا المبلغ، لأن من يمارس البلطجة في وجه الدولة ويبنى بالمخالفة للقانون سيمتنع عن دفع مليم واحد.

معلوماتى المتواضعة أنه عندما يرتكب أي مواطن جريمة يعاقب عليها القانون ويتصالح في أي مرحلة مع المجنى عليه أو مع ذويه، لا يعفيه القانون من العقوبة لأن هناك ما يسمى حق الدولة، وأظن أن هذا هو الحال بالنسبة لجرائم الرشوة أو الكسب غير المشروع.

لقد كان استشراء الفساد كالسرطان في جسد الدولة المصرية أحد الأسباب التي أدت إلى سقوط مبارك ونظامه، وعندما تشرع الدولة في سن قوانين لمعالجة الخلل الذي تسبب في إفلات مبارك من جريمة رشوة الفيللات الخمسة التي أهداها له حسين سالم، لا يجب أن تفتح تلك القوانين شهية الناس للفساد وتشجعهم عليه. 

لقد بادرت وزارة العدل بالتعاون مع وزارة العدالة الانتقالية إلى إجراء تعديل تشريعى في قانون الإجراءات الجنائية بحيث لا تسقط جرائم الرشوة والفساد واستغلال النفوذ بالتقادم، وأن تحتسب الجريمة من تاريخ إحالة الموظف العمومى للتقاعد وليس من تاريخ وقوعها، وهذه خطوة تستحق الإشادة لأنها ستحمى المال العام، ولكن كم من لصوص وفسدة ومرتشين أفلتوا من العقاب في هذا البلد تحت غطاء وستار "السقوط بالتقادم".

وإذا كان الرئيس السيسي يقبل بتعديلات على قانون في ظاهرها وباطنها دعوة للفساد، فإننى أعلن أننى سأكون أول المعارضين له، وأنتظر كغيرى من ملايين المصريين توضيحا من وزير العدل بشأن هذا التصريح الغريب.
الجريدة الرسمية