رئيس التحرير
عصام كامل

خطيئة "السيسي" في حق الفلاح


أمام الباب الرئيسي لمقر الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي بالتجمع الخامس، وقف عم محمد البالغ من العمر 84 سنة، ممسكا بورقة وطالبا بإلحاح شديد من أفراد أمن الحملة لقاء المشير السيسي، فتحدث معه أحد أفراد الأمن محاولا معرفة ماذا يريد؟ وما تحويه الورقة التي يمسكها، فكانت إجابته أنه توكيل حرره للمرشح الرئاسي المحتمل عبد الفتاح السيسي من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، مبديا إصرارا شديدا على إعطاء التوكيل للسيسي بنفسه لكن بعد محاولات عديدة استطاع السفير كارم، المنسق العام لحملة المشير في ذلك الوقت، إقناع هذا الكهل بإعطاء التوكيل ونجح بالفعل وحصل عليه.


وقفت مراقبا هذا المشهد الذي لفت انتباهي بشدة، وبعد أن أنهى الرجل حديثه توجهت إليه وبدأت التحاور معه، وخلصت منه إلى أنه قادم من شمال محافظة الدقهلية وأنه قطع مسافة 450 كليومترا من مسقط رأسه وحتى التجمع الخامس مقر الحملة، وأنفق على رحلته 50 جنيها ذهابا وسيصرف مثلها إيابا، وعندما سألته لماذا ذلك التصميم الرهيب على مقابلة سيادة المشير، فكانت إجابته أنه يريد أن يوصيه بالفلاح خيرًا.

الفلاح الذي يعاني من ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية مثل الأسمدة المرتفعة الأسعار وغير المتوفرة في السوق مما يؤثر على إنتاجية الأرض، وأيضا عدم وجود التقاوي اللازمة للمزارع مما يؤدي إلى استعانة الفلاح بالتقاوي المخزنة عنده، وبالتالي ضعف إنتاجية المحصول، بالإضافة إلى نقص مياه الري الذي يؤدي إلى عدم انتظام الري.

اشتكى لي الرجل أيضا من انخفاض سعر المحاصيل الزراعية، وتحديدا سعر محصول القطن الذي وصل إلى 700 جنيه للقنطار، وأنهى كلامه معي قائلا: "الدولة يا بني مابقتش تهتم بالفلاح وبتعتبره مواطن درجة تالتة".

مرت الأيام سريعًا وفاز الرئيس السيسي برئاسة الجمهورية، وقام بتشكيل حكومته برئاسة المهندس إبراهيم محلب الذي اختار الدكتور عادل البلتاجي ليكون وزيرا للزراعة، استبشرنا خيرا بهذا الاختيار بالرغم من أنه أحد أصدقاء وتلاميذ يوسف والي وزير الزراعة الأسبق، إلا أنه كان مسئول ملف الزراعة في الحملة الانتخابية للرئيس السيسي وبالطبع هو يعرفه جيدا ونثق في اختياراته لأننا نثق فيه.

بدأ الدكتور عادل البلتاجي العمل في الوزارة، وبالرغم من أن إيقاعه كشخص يبلغ من العمر 74 عاما، لم يكن متناغما من الإيقاع المفترض أن تسير به الدولة من أجل الخروج من عنق الزجاجة الذي نعيش فيه منذ عشرات السنوات، مرت الأيام اليوم تلو الآخر والرجل لا يتخذ قرارات تحرك ساكنا سوى أنه يستقدم بعض رجاله ومحبيه لتعيينه في الوزارة منهم الأساسي ومنهم المنتدب في غير أوقات العمل الرسمية، يظهر الوجه الحقيقي للوزير يرفض مقابلة الفلاحين سواء أعضاء النقابات أو المستقلين منهم وحتى من جاءوا من أقصى الصعيد على أمل مقابلة الوزير أو مسئول كبير يخيب آمالهم ويعودوا إلى ديارهم بخفي حنين؛ لأن الوزير "مش فاضي لهم".

ساهم الوزير الحالي في قرار الحكومة برفع سعر الأسمدة بنسبة 33%، ولم يدافع في مجلس الوزراء عن هذا القرار الذي كبد الفلاحين خسائر كبيرة وحملهم أعباءً إضافية.

كل ما سردته من وقائع من الممكن أن تغتفر في ظل غياب الرؤية أو انعدمها لأحد المسئولين، لكن الطامة الكبرى هو أن يتآمر وزير الزراعة ضد الفلاحين، وملخص القصة أن الحكومة شاكرة اعتمدت 920 مليونا على دفعتين الأول 500 مليون، والثاني 420 لدعم مزارعي القطن وشراء المحصول القديم منهم، إلا أن الفلاح لم يستفد من تلك القرارات بسبب وزير الزراعة؛ حيث انعقدت اللجنة العليا لتنظيم تجارة القطن بالداخل برئاسة عادل عزي، وعضوية الدكتور أحمد مصطفى رئيس الشركة القابضة للصناعات النسيجية، والدكتور محمد الباجوري رئيس هيئة التحكم واختبارات القطن، والمهندس حمدي عاصي رئيس قطاع الخدمات الزراعية، وعلي محمد علي مندوب الحكومة ووزارة الصناعة والتجارة، وقرروا دعم قنطار القطن بـ 350 جنيها حتى يتم تفريغ السوق من القطن القديم، وبالإضافة إلى مساعدة الشركات التي اشترت قطن العام الماضي عن طريق توفير سيولة لها لعدم قردتها على توفير السيولة اللازمة من البنوك؛ نظرا لعدم الإفراج عن الأقطان الموسم السابق.

تم إعداد الدراسات وتم الاستقرار داخل اللجنة على صرف 147 خلال شهر سبتمبر كدفعة، إلا أن الوزير تقاعس ولم يرسلها لوزير المالية، بل إن المصيبة الأكبر حينما أرسل الدكتور أحمد مصطفى خطابا لوزير الزراعة للإفراج عن هذه المبالغ، فرد عليه الدكتور علي إسماعيل رئيس قطاع مكتب الوزير، بخطاب حمل رقم 5957 في 6 نوفمبر 2014، وأوضح فيه دعم قنطار القطن المسلم للمغازل بمبلغ 350 جنيها على أن تتولى وزارة المالية السداد بعد تسليم المغازل بناءً على تقرير شهري من وزير الزراعة بكميات التسليم، وهو ما لم يأتِ بجديد.

تقاعس الوزير تسبب في تراجع سعر قنطار القطن من 1200 جنيه إلى 750 جنيها، وهو ما يمثل إهدارا لمال الفلاحين، وأدى كذلك إلى استمرار استيراد الأقطان المستوردة بأسعار قليلة مما أثر سلبًا على السوق المصرية.

سيدي الرئيس، إن كان الوزير يعلم بتلك الكارثة فتلك مصيبة، وإن كان لا يعلم فتلك مصيبتان، سيدي الرئيس تحرك سريعا لإنقاذ الفلاح المصري الذي تكبد عناء ومشقة كبيرة منذ توليك الرئاسة.. سيدي الرئيس أنقذ قاعدتك العريضة قبل أن تنهار وتصبح أنت الخاسر الأكبر.
 
facebook.com/mohamed.samy.923
الجريدة الرسمية