رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. د. فائقة الرفاعي: أنا السبب في تحرير سعر الصرف في التسعينيات

فيتو

  • قابلت مبارك مرة واحدة في حياتي
  • دخلت الموسوعتين العالميتين لرجال الأعمال والمرأة
  • أمي حزنت عندما حملت بي

الدكتورة فائقة الرفاعي شخصية متفردة في عالم المال والبنوك، شهرتها تعدت حدود مصر إلى العالمية، فكانت أهلا للمناصب‏ وعلامة بارزة في الاقتصاد، شغلت منصب وكيل محافظ البنك المركزي على مدى ثلاثة عشر عاما ‏(1987‏ - ‏2000) وبعدها رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومي للمرأة‏، وعضو لجنة الخطة والموازنة واللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب، وفى العديد من اللجان والهيئات الاقتصادية والمالية والمصرفية.

ولأنها واحدة من أفضل النماذج للمرأة التي رفعت اسم بلدها في الداخل والخارج، التقتها «فيتو» في حوار خاص كشفت فيه عن مسيرتها في رحلة الصعود إلى القمة:

* حدثينا عن الأسرة وطفولتك؟
عندما كنت طفلة دون السنة ونصف السنة توفي والدي، وأنا أصغر أخواتي البنات الخمسة وشقيقي الوحيد، دعمتني والدتي كثيرا وآمنت بي، وذكرت لي ذات مرة أنها عند حملها بي تضايقت كثيرا ولم ترد أن تنجبني ولكني تشبثت بالحياة، وعندما أبصرت الحياة ورآني والدي قال لها «هذه التي أردت التخلص منها سوف يكون لها شأن عظيم في الحياة»، فعملت والدتي على تحقيق ذلك الكلام وشاء القدر أن يتحقق كلام والدي.

* بمن تقتدين فائقة الرفاعي.. ومَن الشخصيات التي تأثرت بها؟
أعتبر نفسي محظوظة حيث كرمني الله بشخصيات كثيرة في حياتي منذ طفولتي، ساعدت على تكوين شخصيتي وتحقيق طموحاتي، فأول قدوة في حياتي والدتي، فهي امرأة «أمية» تزوجت وعمرها 13 عاما، وأنجبت سبعة أطفال، وتوفي زوجها وهي في بداية الثلاثينيات من عمرها، ولكنها لم تتزوج ثانية، وأفنت عمرها في رعاية أولادها وتهيئتهم ليكونوا ذوا شأن عظيم، فأنا وإخوتي من المتفوقين دراسيا وكنا نحصل على منحة إعفاء من المصروفات الدراسية كل عام، إلى أن تم تطبيق نظام التعليم المجاني، وذات مرة كانت أمي ذاهبة لتقديم أوراقنا للحصول على الإعفاء من المصروفات فقالت لها ناظرة المدرسة «أنا المفروض أقوم من على الكرسي بتاعي وأنتِ اللي تقعدي عليه لأنك مربية فاضلة»، كذلك شقيقي الوحيد الذي تخرج في كلية حقوق القاهرة أعتبره قدوتي الثانية، فقد كان دائم الاطلاع والقراءة، ويتسم بثقافة واسعة، ففي أيام الصيف كنا نجتمع وكان يحدثنا في مجالات مختلفة كالرياضة والطبيعة والكيمياء، وهذا أثر في شخصيتي جدا، ما جعلني أتطلع دائما إلى القراءة والاستمرار في التعلم.

* بعيدا عن العائلة بمن تقتدين؟
أقتدي بالدكتور محمد زكي شافعي، عميد كلية الاقتصاد وقت دراستي، فعندما حصلت على منحة جامعة «ييل» الأمريكية للدراسات العليا، طلبوا بعض خطابات التوصية، وكتب الدكتور محمد إحداها في نسختين، واحدة لإرسالها للجامعة، والأخرى أعطاني إياها قائلا «اقرأي ما كتبته عنك وبعد ذلك أحرقي الخطاب»، وعند خروجي من مكتبه بكيت لأنه عاملني بلطف شديد وتواضع رغم كونه أستاذا له شأنه وقامته، ولكنه لم يشعرني بذلك، أما القدوة الرابعة فهو أستاذ يهودي كان يدرس لي في أحد الكورسات بجامعة بيل، وطلب أن نقدم له دراسة عن أحد الموضوعات، وبعدما أنجزت الدراسة قدمتها له، فأخذها مني وقال «أنت تعرفين أني يهودي وأنا أعرف أنك مصرية مسلمة لكن اطمئني هذا لن يؤثر على تقديرك»، وبالفعل أخذت امتيازا، فهو مثل وقدوة للأستاذ المجرد من الأهواء والانتماءات، وكان انتماؤه الوحيد للعلم والأخلاق.

* لماذا اخترت الدراسة في كلية تجارة، وماذا فعلت بعد التخرج؟
لم تكن اختياري ولكنها مشيئة القدر، فكنت أرغب في أن أصبح مهندسة معمارية لذلك كنت أنوي دراسة قسم العمارة بكلية الفنون الجميلة، وأثناء الصيف تم قبولي في كورس للرسم كنت قد تقدمت له، ورغم إعجاب أساتذتي بي حدثت لي مشكلة أثناء الكورس جعلتني أحطم كل أدوات الرسم حتى لا أعيد التفكير مرة أخرى، وتوجهت للدراسة في كلية التجارة قسم الاقتصاد، وتخرجت فيها عام 1961، وهو نفس العام الذي أنشئ فيه معهد التخطيط، فاختاروا من دفعتنا أول دفعة معيدين للمعهد الذي أنشأه الدكتور إبراهيم حلمي، وأتى لنا أساتذة في التخطيط الدولي من الاتحاد السوفيتى ودول أوربية كثيرة لتعليمنا التخطيط المركزي وكيفية إعداد الخطط الثلاثية والخماسية. 

* حدثينا عن ظروف زواجك، وكيف استطعت استكمال دراستك وعملك بعده؟
كان الدكتور حسن سليم زميلي في الكلية، وبعد ذلك في معهد التخطيط، وسافر أيضا إلى الولايات المتحدة لتحضير الماجستير في جامعة «كولورادو»، وأثناء الصيف كانت الولايات المتحدة تنظم دورات في اللغة الإنجليزية بجامعة «كولورادو» للمغتربين من الدول النامية لمساعدتهم في الدراسة، وهناك قابلت الدكتور حسن وطلب مني الزواج، فوافقت لكن بشرط أن أعود لجامعة «ييل» لأكمل الماجستير، وبعد حصولي على الماجستير رشحتني الجامعة للعمل في الأمم المتحدة أربعة أشهر لحين بدء العام الدراسي، وأثناء هذه الفترة تزوجنا، وبعد الصيف ذهبت معه إلى جامعة «كولورادو» وحصلت على الدكتوراه أنا وزوجي لنعود إلى مصر عام 1969.

* كيف عملت في دولة الإمارات، وماذا حققت هناك؟
ذهبت إلى الإمارات مع زوجي الذي تقدم إلى وظيفة في صندوق «أبو ظبي» للإنماء كمدير بحوث، وعندما سافر لم يستطع أن يعيش هناك وحده لأن البلد كان في بداية بنائه بعد تحرره من الاستعمار الإنجليزي، فرجع إلى مصر وطلب مني أن أسافر أنا والأولاد معه فوافقت، وبعد سفري عملت في «صندوق نقد الإمارات»، ووضعت قوانين البنك مع حاكم مصرف سوريا وقتها، كما دربت ثمانية من الإماراتيين خريجي الجامعات العربية والأجنبية، وظللت في هذه الوظيفة ثماني سنوات حتى قدمت استقالتي لأعمل في «صندوق النقد العربي» الذي أراد الاستفادة من خبراتي، وبعد 16 عاما عدت إلى مصر.

* ولماذا رجعت إلى مصر مرة أخرى؟
السبب كان أولادي، فعندما سافرت كانت أعمارهم لم تتخط السنتين، ولما بلغوا سن الـ 16 في الإمارات كان لابد أن يكملوا دراستهم إما في أوربا أو العودة إلى مصر، وهو ما استقررت عليه حتى يتعرف أولادي على بلدهم وينتمون إليه، فالتحقت ابنتي «منى» بكلية الطب جامعة القاهرة، ودخل «طارق» صيدلة القاهرة أيضا، ولكنه لم يكمل وانتقل للدراسة في الجامعة الأمريكية، وحاليا «منى» أستاذة في كلية الطب، وطارق رئيس قسم الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والحمد لله لديَّ ثلاثة أحفاد.

* كيف جاء اختيارك لمنصب وكيل محافظ البنك المركزي؟
أثناء عملى في الإمارات ذاع صيتي على المستوى الدولي، ودخلت الموسوعة العالمية لرجال الأعمال ثم الموسوعة الدولية للمرأة، لذلك عندما عدت إلى مصر طلب مني محافظ البنك المركزي وقتها أن أعمل معه في البنك «وكيل المحافظ»، وأبلغ الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء، فسأل عني الدكتور كمال الجنزوري وبعض أساتذتي في الاقتصاد، قبل موافقته على تعييني.

* وما الصعاب التي واجهتك في العمل بمصر؟
واجهتني عدة مشكلات في بداية عملي لكوني امرأة وصغيرة في السن بالنسبة لوكلاء المحافظ الآخرين، ولكن عدم انتباهي لما يقال ساعدني كثيرا وكذلك اجتهادي في العمل، فأثناء إشرافي على إدارة البحوث لاحظت أن نشرات البنك متأخرة 9 نشرات و3 تقارير بسبب المطبعة، فطلبت من المحافظ أن يرسل بعض العمال للخارج لتطوير المطبعة، وبالفعل طورنا وأصدرنا النشرات المتأخرة وانتظمنا بعد ذلك فيها.

* هل قابلت الرئيس الأسبق «حسني مبارك» أثناء عملك في البنك المركزي؟
قابلته مرة واحدة حينما حضر ممثل الاتحاد الأوربي لمصر للقاء مبارك، وقبل أن يلتقي به سألني عن الموضوعات التي يفضل مناقشتها مع الرئيس، فقلت له «أن يكون هناك تعاون واتفاقية اقتصادية بين مصر والاتحاد الأوربي»، ويبدو أنه عندما التقى به قال ما اقترحته، لأن بعدها بشهر عقد الرئيس الأسبق اجتماع المجموعة الاقتصادية وطلب حضوري هذا الاجتماع، وتكلمت في سعر الصرف والميزان التجاري، وكتبت له مذكرة عن ذلك بناء على طلبه، وبالفعل في أوائل التسعينيات تحرر سعر الصرف بناء على هذه المذكرة.

* هل واجهت عقبات في حياتك سواء المهنية أو الشخصية؟
العقبات في حياتي قليلة جدا، فعلى المستوى المهني كنت دائما المرأة التي ترأس رجالا في الغالب يكبرونها سنا سواء في الإمارات أو مصر، ومن أكثر المواقف التي كانت عقبة أمامي لكن وفقت فيها أثناء عملي في «صندوق النقد العربي»، فقد كان الصندوق أوقف التعامل مع السودان نتيجة زيادة الديون عليه، وأرسل بعثة للخرطوم برئاستي، وعندما وصلت لم يقابلني أحد لمدة ثلاثة أيام، فقررت العودة إلى الإمارات، وعندها حدثني وزير المالية وقلت له اقتراحا لحل الأزمة ووافق وعادت السودان للتعامل مع الصندوق، لكن في حياتي الشخصية لم أواجه عقبات تذكر.

* ما نصيحتك لفتيات الجامعة ودورهن المنتظر في المجتمع؟
أهم شيئين لأي إنسان تنظيم الوقت والقراءة المستمرة، فالثقافة مهمة لتكوين العقل وتوسيع مدارك الإنسان، خاصة التثقيف الديني الصحيح بعيدا عن التطرف الذي يمثل خطورة كبيرة، في حين أن الأسرة أصبحت للأسف غير مؤهلة لتكون مصدر تثقيف لأبنائها، كما يجب أن تشارك الفتيات الصغيرات في الحياة السياسية سواء داخل الجامعة أو خارجها بشرط اختيار الأحزاب التي تتسم بالجدية وتتوافق أهدافها مع أفكارهن دون الخلط بين التعليم والسياسة، فالمرأة لابد أن تشارك في جميع المجالات؛ لأنها نصف المجتمع.
الجريدة الرسمية