رئيس التحرير
عصام كامل

البلد دي مافيهاش حاجة صح


عطفا على حالة الإحباط والاكتئاب التي أعانى منها منذ صباح السبت الماضى، أكاد أجزم أن الفساد هو الشىء الوحيد "اللى معمول صح" في مصر، بل هو الحقيقة الوحيدة لأنه منظومة مؤسسية تم بناؤها على أسس وقواعد استقرت منذ مئات السنين، ولا أبالغ إذا قلت إن البلد دى مافيهاش حاجة صح، بل إن جيناتها الوراثية معجونة بخلايا الفساد.


لا يمر يوم إلا ونستيقظ على كارثة أو فجيعة أو مصيبة تكون نتيجتها أرواح عشرات المصريين الذين تعد دماؤهم هي الأرخص دون باقى البشر على ظهر الأرض، عندما تسقط عمارة ويموت العشرات، فإن الجانى والقاتل هو الفساد، فساد موظفى المحليات المسئولين عن التراخيص، وفساد الشرطة المتقاعسة عن إيقاف البناء المخالف قبل الشروع فيه، وفساد مالك العمارة الذي لا يعرف سوى لغة الرشوة لتمرير ما يخالف القانون.

إذا سرت على الطرق سترى عشرات الحوادث لأن نصف من يحملون رخص قيادة حصلوا عليها وهم جالسون في بيوتهم ولا يعرفون عن قواعد "السواقة" شيئًا.

إذا سقطت "شوية أمطار" يصاب المرور بـ"الشلل"، لأنه لا يوجد استعدادات لموسم الشتاء، ولأن الأجهزة المعنية تغط في نوم عميق.

قنابل الإرهاب يتم زرعها في الشوارع الرئيسية لتقتل الأبرياء كل يوم، دون أن يتم القبض على واحد من أولئك المجرمين لأن الشرطة مش شايفة شغلها.

إذا سرت في الشوارع سترى مئات الأطفال يقودون الصراصير المسماة بـ"التكاتك" دون ترخيص لأن المنتفعين من وجودها أكبر من هيبة الدولة، سترى الشاحنات تسير داخل المدن وتغلق يسار الطريق وتشل حركة المرور، لأنك لا ترى قرارات حظر سيرها إلا على شاشة الفضائيات.

إذا مشيت في الطرق لن تجدها مستوية، وإذا وجدت أسفلت ستجده غير مطابق للمواصفات الآدمية لأن الاعتمادات المالية دخل فيها سماسرة ووسطاء، وعندما تصل للمقاول المنفذ لن يجد سوى الفتات.

إذا وقعت جريمة سرقة أو قتل، فإن الشرطة غالبا ما تعجز عن الوصول للجانى لأن كاميرات المراقبة المثبتة في مكان الجريمة عطلانة ولا تعمل.

إذا ذهبت لأى مصلحة حكومية، عليك الانتظار بالساعات لأن "السيستيم" يقع ويستمر وقوعه شهورا وسنين لأن ماحدش عايز يشوف شغله.

إذا ذهبت إلى عملك ستأخذ ضعف الوقت المقرر، لأن الفوضى تضرب الشوارع، ولأن المرور في إجازة. إذا سافرت بين المحافظات وعلى الطرق السريعة ليلا، سترى الظلام الحالك بل قد ترى الموت، لأن أعمدة الإنارة عطلانة ولمباتها محروقة وبتوع الحى متقاعسين ولا أحد يحاسبهم.

الشوارع تمتلئ بمن يسيرون بمركباتهم عكس الاتجاه، ولا نرى مخالفا تم حبسه لأن قانون المرور لا يساوى ثمن الحبر الذي كتب به. إذا دخلت مستشفى حكوميا يجب أن تقدم رشوة لكى تحصل على علاج، إذا ذهبت لأى جهة حكومية لتخليص أي معاملة، تجد نفسك مضطرا لأن تدفع لأن الدفع أصبح قانونا.

الدولة أصبحت غارقة في مستنقع المخدرات والأسلحة المهربة لأنك في المنافذ تستطيع أن تهرب أي شيء وكل شيء.
آفة هذا البلد ليست في القوانين، وإنما في غياب سلطة تنفيذها، باختصار الكل مسئول عن أننا نعيش الآن في أنقاض دولة، أغلب الشعب أساء استيعاب مفهوم الحرية التي نادت بها ثورة يناير وحوله إلى فوضى، الأجهزة التنفيذية يعشش وينخر فيها الفساد، الجهاز الشرطى المعني بفرض هيبة الدولة وسلطة القانون "ما زال يواصل استهباله" بحجة أنه في مرحلة النقاهة والاستشفاء.

هل شاهدتم رئيس محكمة "القرن" عندما هدد الحاضرين بالحبس إذا فتحوا أفواههم.. لو لم يهدد لشاهدنا معركة بين الحاضرين، بل ربما لم يستطع استكمال منطوق الحكم، هكذا كل الفوضويين والمجرمين والبلطجية في هذا البلد.. لن يرتدعوا إلا بنفس هذا الأسلوب.
الجريدة الرسمية