رئيس التحرير
عصام كامل

ونزل كل الطوابق


لا أعرف لماذا أتذكر الآن هذه القصة القصيرة للكاتب الإيطالي دينو بوتزاتي.. عنوانها الطابق السابع.

موضوعها هو الذي يلح عليّ أن أحكيه.. باختصار هي قصة لرجل يمشي في الطريق.. يمشي لا بيه ولا عليه! أحس بالبرد وعطس وكح.. كان في طريقه مستشفى.. اتجه إليه ليحصل على دواء للبرد.. رحبوا به وقالوا له "أنْ يصعد إلى الطابق السابع، هناك سيجد العلاج".


صعد.. قالوا له أن ينتظر مع المرضى حتى تأتي إليهم الممرضة بالدواء.. دخل إلى غرفة المرضى فوجدهم مثله يعانون من برد بسيط.

اطمأن.. انتظر.. بعد قليل من الوقت فكر أن يترك المكان، لكن فجأة دخل من يطلب منه أن ينزل إلى الطابق السادس لأنهم في حاجة إلى سريره.. سأل عن الدواء.. قيل له سيحصل عليه في الطابق السادس.. نزل فوجد المرضى الذين سينتظر معهم يعانون من سعال أشد.. جلس صامتا ولا أحد يأتي بالدواء.. ثم دخل من يطلب منه النزول إلى الطابق الخامس، فالدواء هناك أسرع.

تردد في مغادرة المكان ونزل إلى الطابق الخامس.. جلس بين المرضى فوجدهم يعانون من البرد أكثر.. تقريبا يعانون من التهاب رئوي.

اندهش وتوجس شرا وفكر في الانصراف، لكنهم طلبوا منه ألا يقلق، فالدواء سيصل إليه أسرع في الطابق الرابع. مسكين نزل إلى الطابق الرابع فوجد المرضى الذين جلس بينهم يعانون من أمراض القلب.

زادت حيرته.. وتردد في أخذ قرار الانصراف أو الهروب.. وحين فكر قيل له أنت من مرضى هذا الدور ولابد أن تنتظر حتى تحصل على دواء حقيقي.. لم ينفع احتجاجه.. وشرح لهم أنه فقط يعاني من برد بسيط، وأنه يستطيع أن يجد العلاج في مكان آخر.. لكن كيف تخرج وقد صرت مسئوليتنا!!

انتظر حتى نتحقق مما تقول.. سيأتي الطبيب وسيكون كل شيء على ما يرام!

راح ينظر حوله في قلق.. وازدادت هواجسه حول نفسه.. ومن عجب أنه بدأ يشعر بآلام أكثر في صدره.. إذن فلينتظر.. قد يكونون على حق.. وانتظر حتى دخل من يطلب منه أن ينزل إلى الطابق الثالث فوجد من فيه أجروا عمليات كبيرة في القلب.. احتدت ثورته.. لابد أن يخرج.. كره اللحظة التي فكر فيها في الدخول إلى المستشفى.. لكن كل شيء كان يتم بسهولة..

طلبوا منه النزول إلى الطابق الثاني، وهناك سيجد الدواء أسرع واعتذروا له عن التأخير، وطمأنوه أنه لن يخرج إلا سليما، وأنه إذا كان هناك خطأ فسينتهي بمجرد حصوله على الدواء.. هناك ستنتهي كل المسألة.. نزل منصاعا مسلوب الإرادة إلى الطابق الثاني، فوجد من فيه جميعا يعانون من غيبوبة كبيرة.

لم يطل بقاؤه ولا دهشته، طلبوا منه النزول إلى الطابق الأول سيحصل هناك على الدواء ومنه يخرج.. صار مسلوب الإرادة تماما.. نزل مستسلما فوجد نفسه بين الموتى من المرضى.. تمدد بينهم ونام.. مات.. شكرا!!

Ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
الجريدة الرسمية