تكفير التكفيريين!
ربما نقع في نفس المأزق الفكري الذي وقع فيه التكفيريون من قبل عندما نكفرهم، والأصوب لنا أن نتلمس منطق تفكيرهم ومنطلقاتهم العقائدية لعلنا نكشف أصل الداء قبل تضليلهم وإدانتهم.
والواقع المسكوت عنه تاريخيًا الذي يجب أن نعترف به ونعمل على مواجهته، أن فكرهم الإرهابي المتشدد له جذور معروفة غير مجحودة في فقه أهل السنة والجماعة، ترتكز على عجيب الفتاوى والأحاديث.
فابن تيمية فقيه الأصوليين الذي ينعتونه بشيخ الإسلام، هو من عُمَدِ فقهاء أهل السنَّة، الذي كان يفتي بقطع الرقاب في صغائر الأمور، لم تزد داعش شيئًا في دمويتها عنه، بل هو قدوتهم الكبرى في همجيتهم وعدوانيتهم، وحقيقة ما حدث في حاضرنا القريب هو سقوط قناع التقية عن الوجه الجهادي العدواني في فقه المتشددين بعدما أحسوا بتباشير السيطرة والتمكين، فظهر على حقيقته في طبعته الإخوانية والوهابية الداعشية.
وظهرت نتائج ذلك الفقه العنيف الذي أطلق أول قذائفه من القرن الرابع الهجري، لتصيبنا نحن الآن في مقتل، ووضح المآل الذي ما فتئ الإصلاحيون يحذرون منه ويطالبون بمواجهته، ولم يجدوا إلا الاستهزاء بهم وتحقيرهم وتكفيرهم.
والمصيبة الكبرى، أن الأزهر ذاته يرعى ذلك الفقه القديم بما فيه وما عليه، وهو سر رفضه للإصلاح الذي نادى به الإمام محمد عبده منذ أكثر من قرن مضى، الذي رفض أن يكون الدين مجرد قصص وحكايات وقوائم من حسابات الربح والخسارة بين الحسنات والسيئات، فكانت الأخلاق في النهاية هي الضحية التي ذبحت على مذبح هؤلاء الفقهاء، فتلك الجماعات الإرهابية تقتل وتذبح الأبرياء لأن فلانًا من هؤلاء الفقهاء قال بذلك، وتخطف النساء سبايا لأن فلانًا من ألف سنة أفتى بوجوب ذلك.
المصيبة أن هذا وذاك عند الأزهر فقهاء معتبرون، وتدرس كتبهم المسمومة بين جنباته، فهل يعتبر الأزهر أن هذا الفقه من صحيح الإسلام؟، وإلا فهو مدعو بكل قوة إلى تنقية مذهب أهل السنة من تلك الأباطيل والبلايا، فليراجع نفسه ويواجه المسكوت عنه، ويصحح المسار من داخله، وإن لم يفعل فستكون النتيجة كارثية على مستقبل مذهب أهل السنة.. لا شك في ذلك.