الإخوان.. آخر من يتكلم عن مبارك !
كنا والزميلان الصحفيان الرائعان أحمد أبو صالح ومحمد عبدالله وغيرهما نتابع ونراقب انتخابات 2005 ونضرب كفا بكف على النتائج الأولية المعلنة والتي أدهشت وفاجأت الجميع..الإخوان يتصدرون الفائزين بشكل لم يسبق له مثيل..ولأن أبو صالح الأكثر اندهاشا وعصبية قلت له: "لا يخلو الأمر من صفقة..وانتظر وستعرف" ! وانتهى الدور الأول من الانتخابات ويبدو أن الإخوان تجاوزوا حدود الصفقة، فكان منطقيا أن تتدخل الأجهزة في المرحلتين الثانية والثالثة ليحصل الإخوان على المقاعد المتفق عليها.. واستلزم ذلك صراخا إخوانجيًا لا مثيل له ضد النظام الديكتاتوري ! والتزاما بالتمثيلية وإتقان الأدوار وشن الإعلام الحكومي هجوما كاسحا على الجماعة المارقة التي أرادت تزوير الانتخابات لكوادرها..و"حبك" الجميع أدواره وانتهت التمثيلية البغيضة بما نعرفه !
مرت الأيام ويخرج الناس في يناير ويسيطر الإخوان على المشهد ويعترف الجميع بما جرى..مسئولون رسميون يعترفون بصفقة 2005 رسميا ويؤكدون أن كل شيء مسجل في مكتب اللواء حسن عبد الرحمن والإخوان يعترفون ويقولون إنها أصول اللعبة !
حينئذ نعود ونسترجع الأيام والذكريات في تسعينيات القرن الماضي وكيف قال ضابط أمن الدولة الكبير للدكتور أحمد نصار الأستاذ بطب أسيوط الذي صرخ: "تتركونهم يرفعون صور البنا ومطبوعات الدكتور محمد السيد حبيب وندواته علانية في الشوارع والمساجد وتمزقون صور جمال عبد الناصر وتمنعوننا من الحركة ومن العمل السياسي وتتبعون أبنائي الناصريين وتهددونهم.. لماذا ؟ فقال المسئول الكبير باحترام بالغ لرجل يعرفون قيمته العلمية قبل السياسية: نعم..هذه التعليمات التي عندنا..هم يعملون بحرية..وأنتم لا "!
الآن نتذكر أيضا الفرق الذي درسناه في العلوم السياسية في المعنى والتعريف بين منافسي النظام وبين معارضيه..كان الناصريون يعارضون وهكذا اليسار..يريدون حالا أفضل للجماهير الفقيرة وهي الأغلبية..يريدون لها نصيبا عادلا في الثروة يعود عليهم وإليهم خدمات في الصحة والتعليم والطرق والكهرباء والمياه..يريدون ندية في التعامل مع أمريكا ووقفا للتبعية لها..ويريدون وقفا للنهب العام وخصوصا في القطاع العام وبنوك الشعب..بينما تفرغ الإخوان لتأسيس الشركات الكبرى وتحديدا في الإلكترونيات والكمبيوتر..والشراكة الكبرى مع أموال تأتي من المشرق والمغرب..والأموال تكبر وتكبر وتصنع لها أنصارًا والأنصار يتحولون إلى مجتمع كبير تسانده أمريكا..فهم مثل النظام تماما يقبلون التعامل معها ويكرهون القطاع العام ويكرهون تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ويرفضون مجانية التعليم والعلاج المجاني ويكرهون أيضا جمال عبد الناصر..
إنهم أكثر فائدة من نظام مبارك نفسه لأنهم قادرون على تفجير المنطقة طائفيا..كلاهما كان في المعسكر الأمريكي وما بينهما منافسة وليست معارضة والغلبة في اللعب بينهما لمن يقدم عطاءً أفضل لأمريكا..ويبدو أن الإخوان قدموه..بل من المؤكد أنه كذلك!
اليوم..ينبغي أن يخرس الإخوان تماما في البكاء على أحكام لا تعجبهم..شبعنا من دموع التماسيح وبما يفيض !