رئيس التحرير
عصام كامل

إيناس عبد الدايم: لم أتوقع إنهاء انتدابى من رئاسة الأوبرا

فيتو

  • كنا نعمل قبل سقوط الجماعة حتى لا تنطفئ أنوار الأوبرا 
  • لم أقابل موقفا شبيها بما حدث لى مع الإرهابية 

تقدس حياتها الأسرية، وتعظم فنها وتاريخها الطويل، صبورة لا تعرف اليأس.. هي الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأبرا المصرية، إحدى أبرز السيدات الناجحات والتي قطعت مشوارا طويلا من الإنجازات في حياتها وواجهت صعوبات أكثر.
رغم أزمة إقالتها الشهيرة من رئاسة دار الأوبرا والصراع الذي تورطت فيه مع نظام جماعة الإخوان الإرهابية قبل ثورة 30 يونيو، لم يتسرب اليأس إلى إيناس عبد الدايم، ولم تتخل عن موقفها، بل سعت وسط الانتقادات للثبات والإصرار على ما تراه صائبا دون أن تكون على علم بما يحمله لها الغد من آمال وطموحات رغبت في تحقيقها.

في حوارها الإنسانى مع «فيتو» عادت «عبد الدايم» بذاكرتها لسنين بعيدة، روت فيه قصة كفاحها في مجال الموسيقى، والمخاطر والصعوبات التي واجهتها في رحلتها، وكيف تسعى بشكل دائم إلى الحفاظ على قدسية الروابط الأسرية التي توارثتها عن والدتها، إلى جانب مسئوليتها الكبيرة في تولى رئاسة دار الأوبرا المصرية.. وإلى نص الحوار:

> مَن إيناس عبد الدايم الإنسانة ؟
إيناس عبد الدايم أم وزوجة وجدة في أسرة هي كل حياتها، لدى من الأبناء «فيروز» خريجة حقوق فرنسي، و«شادي» خريج الجامعة الأمريكية «بيزنس»، وحفيدتى «بتول»، وزوجى كان يعمل في منظمة اليونسكو بباريس وحاليا بالقاهرة، وأنا شخصية أسرية جدا، أحب عائلتى وأقدس الارتباط الأسرى لأنى توارثته عن أمى رحمها الله.

> حدثينا عن فترة طفولتك ودراستك ؟
أنا من أسرة فنية، والدى كان مدرس موسيقى وعازف كمان، وهو من علمنى العزف من سن خمس سنوات، وحينما بلغت السابعة دخلت الكونسرفتوار وأكملت دراستى به، وحصلت بعدها على منحة للدراسة في باريس، وهناك أكملت دراستى بالمدرسة العليا للموسيقى، ولم أعد إلا بعد الانتهاء من الماجستير والدكتوراه، وبعد عودتى لمصر عملت أستاذا بالكونسرفتوار، وتوليت عمادته لمدة ست سنوات إلى جانب تولى عدة مناصب قيادية أخرى حتى وصلت إلى رئاسة دار الأوبرا.

> أين كانت نشأتك، وكيف أثرت في شخصيتك ؟
ولدت في جاردن سيتى وعشت حياتى كلها هناك، حتى سافرت إلى فرنسا، بعد ذلك انتقلنا للعيش في مكان آخر، ولكن مولدى ونشأتى بجاردن سيتى أثرا على شخصيتى كثيرا خصوصا مع وجود ارتباط أسرى قوى اتضح في ارتباط الأسر ببعضها البعض والجيران ببعضهم.

> وما مدى تأثير أسرتك في نجاحك ؟
والدى كان له تأثير كبير جدا في تعليمى الموسيقى، ولكن التأثير الأكبر كان لوالدتى لأنها كانت تشجعنى جدا في دراستى الموسيقية وممارستى للفن أنا وأختى مغنية الأوبرا إيمان مصطفى، وأمى رحمها الله كان كل تركيزها على أن نكون ناجحتين في حياتنا الفنية ولذلك كانت هي العامل المساعد الأول في حياتنا، وبعد وفاة والدتى أحاطتنى أسرتى الصغيرة « زوجى وابنى وابنتي» بذات الرعاية وهو ما ساعدنى في تحقيق المزيد من النجاح، وزوجى لعب دورا كبيرا جدا في حياتى ولولا وقوفه معى في حياتى ومساندته لى لم أكن لأصل إلى أي شيء.

> كيف تستطيعين التوفيق بين عملك وحياتك الأسرية ؟
المعادلة صعبة جدا، ولكنى الحمد لله برعاية أسرتى والتفاهم الموجود بيننا وحبهم لحياتى وفخرهم بى ساعدنى في أشياء كثيرة، لكنه يمثل بالنسبة لى صعوبة وإرهاقا شديدا جدا، غير أن حبى للنجاح والعمل يعطينى قوة للمقاومة، كما أن دراستى بالخارج علمتنى استثمار الوقت والتنسيق بين أهدافي، فأنا لا أملك في يومى أي وقت مفقود وحتى وجودى في المنزل فهو إنجاز لشيء معين.

> روتينك اليومى أغلبه للعمل أم للمنزل ؟
أهتم بالاثنين، ولكن الجانب العملى يغلب بالطبع لأنى أتواجد في الأوبرا فترات طويلة جدا، فأستيقظ يوميا مبكرا لأنجز بعض متطلبات المنزل وأذهب إلى العمل وأمكث فيه طوال اليوم وأعود لأكمل بعض الأشياء في المنزل، وأشعر بسعادة بالغة يوم إجازتى لأنه يوم «ملك بيتي» وأقوم بكل المطلوب منى لولدى وأسرتي، ويمكننى أن أعتبر حياتى محددة في العمل والزوج والبيت، كما أننى حاليا لا أملك حياة خاصة لأن ضغط العمل يزداد يوما بعد يوم وأنا أحب أن أتابع كل شيء بنفسى كما أحرص على حضور كل الحفلات مهما كان مقر انعقادها.

> هل ما زلت تمارسين العزف بالرغم من مشاغلك العملية ؟
ما زلت أعزف وأمارس الفن حتى الآن، لأنه مصدر التوازن في حياتي، وحصلت على شهادات وجوائز عديدة، لذلك أتمسك جدا بالقسم الفنى الموجود بحياتي.

> وكيف تحافظين على موهبتك الموسيقية بجانب ضغوط العمل؟
لا شك أن حفلاتى قلت كثيرا عن ذى قبل لأنى لا أخرج في حفلة قبل أن أحضر لها جيدا جدا ليتناسب ذلك مع اسمى وسمعتي، وأحرص بشكل دائم على أن أباعد بين مواعيد حفلاتى الثلاث خلال العام لأمتلك فرصة كافية للتدريب لأظهر بالصورة التي أرغب فيها.

> ما المعوقات التي تعرضت لها في رحلتك؟
المعوقات كثيرة جدا جدا وللأسف أنا توليت مسئولية دار الأوبرا في أصعب وقت كانت تمر به مصر في التاريخ الحديث خلال الثلاث سنوات الماضية مما حملنى عبئا كبيرا من اتجاهات مختلفة.

> ماذا تقصدين بالأعباء؟
تغير عدد كبير من القوانين واللوائح داخل الدولة مثل عبئا كبيرا على العمل في الأوبرا، إلى جانب أن وضع البلد شهد تغييرا رهيبا خصوصا بسبب عدم الاستقرار، فبذلنا مجهودا كبيرا للحفاظ على استمرار عمل المؤسسة، ومررنا بظروف صعبة جدا ولكننا نجحنا في أن نعبر المحنة ولم تنطفئ أنوار الأوبرا، واستمر نشاطنا كما هو على الرغم من المعوقات الكثيرة والتي استطعنا التغلب عليها واسترجاع قوتنا بحمد الله.

> وماذا عن معوقاتك الشخصية ؟
دائما كنت أقابل معوقات طوال رحلتي، فلا شك أن الإنسان الناجح يقابل مشاكل عديدة ولكن الأهم أن يكون قادرا على التعامل مع تلك المشاكل بحكمة وهذا هو فن إدارة الأزمات، فالكل لا يجمع على شخصية واحدة مهما كان نجاحها، كما أن أعداء النجاح كثيرون وخصوصا في مجال الفن الذي يمتلئ بالمنافسين، ولكن الحمد لله لا يصح إلا الصحيح، وأنا «بالى طويل».

> ما أبرز المحطات في حياتك؟
أنا عملية جدا وأحترم تاريخى الفنى ودراستى والعمل الذي أقوم به، ولا أبخل عليه بشيء، ولذلك فإن مراحل دراستى وعملى هي أبرز محطات حياتي، إلى جانب ذلك فأنا صبورة جدا وأحب العمل بالفكر الجماعى وهو من أعظم المقومات لنجاح أي مكان، لأن اجتماع الأفكار من عقول متباينة ينتج رؤية جديدة وخصوصا بعد مرور مصر بفترة عصيبة تحتاج بعدها إلى أفكار تتسم بالتنوع والاختلاف، وعلى الرغم من أنى واجهت صعوبات طيلة مراحل حياتى إلا أننى أملك قوة على الاحتمال تكاد تكون كبيرة، وهو ما ساعدنى على أن أصل إلى ما أنا فيه خصوصا أنى قابلت معوقات وصعوبات كثيرة، لكن إصرارى على «الصح» هو سبب توفيقى بمساعدة الله.

> وهل استطعتِ تنفيذ فكرة العمل الجماعى بسهولة ؟
في البداية كانت الفكرة تواجه صعوبات بالغة، كما أنها لا تخلو من المشاكل حتى الآن، ولكنى دائما أسعى لتحديد طموحي، وأرضى بما يحدث، وصبرى شجعنى على النجاح في تطبيق العمل الجماعى داخل الأوبرا كونه مفهوما به صعوبة في مصر، وما زلت أقابل فيها مشاكل حتى الآن.

> اذكرى لنا موقفا طريفا تعرضتِ له خلال رحلة كفاحك ؟
لا توجد فكاهة أكثر من موقفى وقت حكم الإخوان، والذي بدأ معى بمأساوية ولكنه تحول إلى موقف طريف جدا بعد أن أصبح جزءا في التاريخ به طرفة، فلم أكن أتوقع قط ما حدث خصوصا فكرة إقالتى أو إنهاء انتدابى من رئاسة دار الأوبرا بعد أزمة الباليه وخلافاتى مع الإخوان وإصرارى على موقفي، ولذلك لم أقابل طول حياتى موقفا شبيها بما حدث لى مع الإخوان، وأنا سعيدة جدا به لأنه كان أداة صغيرة تترجم إلى في أشياء كثيرة بعد ذلك.

> كيف تعاملت مع الموقف رغم أنه لم يكن من المتوقع انتهاء حكم الإخوان ؟
تعاملى مع الموقف يرجع لطبيعة تركيبة شخصيتي، ولم يكن ما حدث مفهوما لى ولا للمجتمع ككل، فبعد رفضى لما حاولوا تطبيقه بالأوبرا ومحاولتى التصدى له، بدأ الجانب الآخر في شن هجوم شرس جدا غير منطقى وغير نظيف، وهنا لعب احترامى لتاريخى وذاتى وفنى وإيمانى بأنى أسير على الطريق الصحيح دوره بأن أعطانى قوة غريبة على المواجهة، فلم أكن أعلم إلى متى سيستمر هذا النظام ولا كيف ستكون النهاية، وكان من المحتمل أن تكون نهاية مأساوية ولكن إصرارى على أن لدى حقا لابد أن أقف وراءه هو ما شجعنى بغض النظر عن فكرة نجاحى من عدمه، لأنه شيء خارج عن إرادتى ويعود لإرادة الله ولكنى على أي حال أحمد الله على موقفى حينها لأنه أثبت للجميع أن صاحب الحق لابد أن ينتصر.

> هل شعرت باختلاف في رئاسة الأوبرا بعد الأزمة؟
بالفعل يوجد اختلاف كبير جدا عن فترة ما قبل ثورة 30 يونيو، فكنا نعانى حالة شديدة من اليأس ويمكن القول إننا كنا نعمل فقط حتى لا تنطفئ أنوار الأوبرا وتغلق أبوابها، لكن بعد الثورة عاد إلينا الأمل والطموح والرغبة في الإبداع والابتكار.

> وما دورك كرئيسة الأوبرا في توصيل الفن الراقى للناس بشكل أكبر؟
الأوبرا حاليا تقدم كل أنواع الفنون ولا يقتصر نشاطها على الحفلات فقط، ولكننا نقدم صالونات ثقافية وأمسيات شعرية ومعارض فنية، ونحاول أن نجمع كل أشكال الفنون التي ترضى كل الأذواق بشكل يحافظ على الرقى والذوق الرفيع، وليس المقصود بالرقى التعالى على المجتمع ولكنه يعنى تقديم الشبء البسيط بطريقة تحترم المشاهد ومقدمه.

> هل تشعرين أنك حققت كل ما تمنيت من إنجازات أم أنه ما زال أمامك طموحات أكبر لتحقيقها ؟
ما زلت أملك طموحات كثيرة فالنجاح ليس له حدود، وهذا هو منطقى في الحياة، وأنا أعتبر كل يوم يمر من حياتى نجاحا لأن إنجاز أي شيء في يومى هو نجاح لي، والإنجاز ليس فقط طموحا ولكنه أشياء أخرى كثيرة منها نجاح المؤسسة أو تقديم خدمات ناجحة للناس أو نشاط أو حفلات، ولا شك أن النجاح لا يقف عند حد معين، وحتى عند الوصول لحد معين أوجد أفكارا لما سيأتى بعد ذلك، فطموحى ليس بعيد المنال لأنى اعتدت أن أعمل بالواقع، ولكن الفكر والطموح دائما ما يقوداننى إلى نجاح أكثر أي أن «النجاح بيجيب نجاح» ودائما الإنسان المبدع يفكر فيما سيأتى وكيف سينفذ فيه ما يريده.


C.V
بدأت إيناس عبد الدايم دراستها في سن مبكرة بكونسرفتوار القاهرة.
سافرت إلى فرنسا في منحة دراسية حتى عام ١٩٩٠ وحصلت على درجة الماجستير والدكتوراة في الآداء لآلة الفلوت.
الجريدة الرسمية