جريمة إجلاء الفقراء من المستشفيات
طوابير المرضى أمام المستشفيات الحكومية والجامعية المتخصصة في جراحات القلب تتزايد وتتمدد كل يوم، غير أن القائمين على تلك المستشفيات يبررون تلك الطوابير بأن الزيادات في أعداد المرضى تفوق بكثير القدرة الاستيعابية لغرف العمليات وأسرة رعاية القلب والقدرة البشرية أيضا من باقي الأطقم الفنية والإدارية.
والمعروف أن معظم الحالات التي تلجأ للمستشفيات الكبرى التابعة للدولة غالبا ما تكون بقرارات علاج على نفقة الدولة أو للمنتفعين بالتأمين وجميعهم من فقراء مصر، وبالتالي فهم زبائن غير مرغوب فيهم من جانب تلك المستشفيات، وباعتبار أن التأمين ونفقة الدولة يحصلان على الخدمة لمرضاهم بطريقة "الشكك" أو على النوتة بلغة البقالين في الحواري والأزقة وأحياء الفقراء، وبالتالي عمليات التطفيش تمثل لغة تجيدها تلك المستشفيات وبدرجة امتياز !.
بينما المستشفيات الخاصة والمتخصصة في جراحات القلب لديها الطاقة الاستيعابية لأي أعداد ولكن تكاليف الجراحة فيها ربما تتجاوز الــ100 ألف جنيه مقابل 20 ألف جنيه في المستشفيات العامة مثل معهدي ناصر والقلب.. ورغم أن معهدي ناصر والقلب القومي هما المستشفيان اللذان نجحا في الوصول بجراحات القلب إلى نسب نجاح تتخطى مثيلاتها في العديد من مستشفيات أوربا وبتكاليف لا تُذكر بالنسبة لتكلفتها في المستشفيات الخاصة في مصر "22 ألف جنيه".
لكن أزمة المستشفيات العامة تكمن في عمليات التمويل التي تتراجع في أولويات كل الأنظمة التي أدارت حكم مصر، بالإضافة إلى حذف غير المهم من حساباتها، وغير المهم هنا وفي كل زمان هم الفقراء والغلابة، وبالتالي قامت المستشفيات ومنها معهدا ناصر والقلب بسن سنة سيئة وهي اقتناص أعداد من الفرص المخصصة للجراحات الخاصة بالغلابة وتأجيلها لصالح من يدفع، ومن خلال تحويل أطباء جراحة القلب إلى سماسرة يتولون جلب زبائن للمستشفيات عن طريق عياداتهم وتحت مسمى حالة طبيب، وهي الحالة التي يتم الاتفاق معها خارج أبواب المستشفى ليحصل الطبيب على ما يريد ودون فواتير يعني من تحت الترابيزة ! وعلى المستشفى أن تحصل على ما تريده من هذا المريض السوبر !. ثم تتولى إخلاء الفقراء وإعادة تأجيل مواعيد جراحاتهم بالشهور والسنين لصالح تلك الحالات، ليتمدد طابور المرضى الفقراء ولتضيع عليهم فرص الحياة.
على المرضى الفقراء ومن يريد أن يدرك نفسه أن يحصل على رقم الطبيب وأن يبيع بيته ويدفع المقاولة !!، حتى يجد لنفسه سريرا وفرصة للحياة، وبالطبع يكون المستشفى قد حقق من تلك الحالات أرقامًا مالية لصالح ميزانيته، ولكن على حساب أرواح فقراء لم يكن لديهم ما يبيعونه لشراء حياتهم.
لكن مستشفى الزيتون التخصصي والذي يتبع الأمانة العامة للمراكز الطبية رغم حداثة عهده بجراحات القلب المفتوح تحول إلى مركز متميز في هذا التخصص ومن خلال 4 غرف للعمليات و16 سريرًا لرعاية القلب، عدد الجراحات التي أنجزها المركز تصل إلى 300 جراحة معظمها على نفقة الدولة وللتأمين الصحي وبأسعار رمزية إذا ما قورنت بمثيلتها في المراكز والمستشفيات الخاصة. تمكن من زيادة عدد الجراحات به من حالتين في الشهر إلى حالتين يوميا.
ودخول مستشفى الزيتون التخصصي مجال جراحات القلب المفتوح تجربة لابد من استنساخها للتخفيف عن طوابير الانتظار أمام معهدي ناصر والقلب القومي.