تونس وذكريات أليمة للكرة المصرية!
مرة واحدة فزنا فيها على تونس في أرضها.. لكن كان ذلك في مباراة ودية وليست رسمية عام ١٩٩٠ فيما عدا هذا لابد وأن ينهزم المنتخب المصري في أرض تونس بل وياللعار فريقنا ينهزم أمام تونس في القاهرة مرتين الأولى في يناير ١٩٧٧ بهدف سجله جمال الإمام والآخر في أكتوبر ٢٠١٤ بهدف سجله فخر الدين يوسف لكن أسوأ الهزائم على الإطلاق كانت في نوفمبر ١٩٧٧ في المباراة الفاصلة التي سيصعد الفائز فيها إلى نهائيات كأس العالم بالأرجنتين.
كان الفريق المصري قد فاز في اللقاء الأول بالقاهرة ٢/٣ سجل فيها الخطيب هدفين أحدهما هدف تاريخي في مرمى عتوقة انضم حارسا في تاريخ تونس.. تلقى الخطيب الكرة بظهره ونقلها بكعبه أمامه وانفرد بعتوقة الذي خرج لملاقاته فأودعها في شباكه وسجل هدفي تونس طارق دياب الذي أصبح فيما بعد وزيرا للرياضة.
انتفض الشعب المصري كله وهيأ نفسه للاحتفال بصعود منتخب مصر لنهائيات كأس العالم بالأرجنتين ١٩٧٨.. فالتعادل يكفينا في تونس لنحقق هذا الحلم الجميل.
كان يرأس جهاز الرياضة في هذا الوقت عبد العزيز الشافعي ويرأس جهاز الشباب عبد الحميد حسن وكل منهما مستقل بنفسه ولا يوجد رئيس للمجلس الأعلى للشباب والرياضة.
بدأت عملية الشحن المعنوي والجماهيري وقدم الدكتور جمال مختار رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجية «الأكاديمية البحرية سابقا» عبارة تدريب الطلبة «عايدة ٣» ليسافر عليها النقاد والصحفيون ورجال الإذاعة والتليفزيون والعاملون بجهاز الرياضة وعدد من المدعوين.. وسمح بسفر عدد من المشجعين بمبلغ رمزي خمسمائة جنيه فقط للفرد شاملة السفر والإقامة كاملة لمدة أسبوع مع تقديم ثلاث وجبات.
تحركت العبارة من ميناء رأس التين بالإسكندرية وعلى متنها أكثر من سبعمائة راكب وراكبة. كان بين الركاب عريس وعروس بفستان الزفاف والطرحة قررا أن يكون أسبوع العسل في رحلة العبارة إلى تونس وفينيسيا «البندقية» بإيطاليا.
كنا في بداية فصل الشتاء والأمواج عالية في البحر المتوسط خاصة أمام سواحل بني غازي وطرابلس بليبيا وكلما جاءت الأمواج عالية وتعلو السفينة وتهبط مع الأمواج شعر الركاب بدوار البحر وهاتك يا قيء... تقريبا غالبية الركاب أصيبوا بالدوار والقيء.
كل كابينة في العبارة يطلق عليها «قمرة» بها سريران أحدهما فوق الآخر ومن المواقف الطريفة والمضحكة والمبكية كان الصحفي ماهر فهمي ومعه المخرج إبراهيم لطيف ابن محمد لطيف في نفس الكابينة.. إبراهيم في السرير الأعلى وينام على بطنه يتحدث مع ماهر فهمي النائم على ظهره في السرير الأسفل وحدثت حالة قيء لإبراهيم لطيف فأفرغ ما في معدته الواسعة على وجه وصدر ورأس ورقبة ماهر فهمي وجئنا على صوته وهو يصرخ «يا.. يا إبراهيم يخرب.. إنت واكل خمسين كيلو.. جاتك القرف.. الله يخرب..».
طرقنا باب الغرفة وفتح لنا ماهر فهمي ووجهه غارق ببقايا الطعام وأرضية الحجرة كأن طشتا من الطعام سكب عليها وجاء العمال بالجرادل والمساحات.. بعدها نام ماهر في الطرقة!
عند الفجر سمعنا صراخا وضربا وخبطا وذهبنا إلى مكان الصوت فكانت كابينة أو قمرة العريس والعروسة.. نزل عليها ضربا وشدها من شعرها وهي تصرخ طلقني يا ابن.. طلقني يا ابن الـ....... فقال لها «روحي وانتي طالق» وهكذا أكمل الزوجان الرحلة بعد الطلاق وانتقلت الزوجة إلى كابينة أخرى ولم يعرف أسباب الخلاف والطلاق لكن يبدو أن الزوج اكتشف شيئا ما.
على فكرة حاول عبد العزيز الشافعي رئيس البعثة ونجيب المستكاوي الصلح بين الزوجين لكن دون جدوي.
بعد ليلتين في الماء وصلت العبارة إلى مرسي خاص بشارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة تونس وكان الآلاف من أبناء تونس في انتظارنا ويشيرون بأصابع اليد الخمسة أي سنفوز عليكم بالخمسة.
كنا ننام في العبارة ونخرج طوال اليوم للتجول والذهاب إلى فندق البحيرة «أوتيل دي ليك» وهو على شكل هرم مقلوب ينزل فيه الفريق.
كان يدرب المنتخب في هذا الوقت المدرب اليوغوسلافي دوشان نينكوفيتش ومعه المدرب المصري محمد الجندي وتطوع للسفر معهما زكي عثمان مدرب نادي الزمالك.
ليلة المباراة جاءنا بوبو لاعب الاتحاد السكندري جلس معنا حتى منتصف الليل وسألته لماذا تركت الفريق وجئت؟ قال «وربنا هيتغلبوا بكره.. المدرب حط الفرقة.. اختار ١٨ لاعبا أنا مش فيهم.. وبعدين عايز أقول لكم حاجة فيه بنات التوانسة بعتوهم للعيبة بتوعنا.. وربنا فيه نحو سبع تمن تسع بنات دخلوا الغرف بتوع اللعيبة والخطيب شكله عايز يهرب من الماتش عمال يترعش ويقول: أنا عيان أنا سخن هاتولي دكتور أنا عيان علشان كده أنا سبتهم وجيت وربنا هيتغلبوا بكره ودلوقت تشوف!!
في اليوم التالي أقيمت المباراة باستاد المنتزه بالعاصمة تونس في جو مطير واتمرمط فريقنا وانهزمنا ٤/١ وسجل هدفنا الوحيد أحمد عبد الباقي الظهير الأيمن بضربة رأس من ضربة ركنية. ساد الحزن كل المصريين الذين سافروا إلى تونس للتشجيع سواء بالطائرات أو بالعبارة.
جاءتنا الأخبار أن العبارة «الباخرة» لن تعود إلى الإسكندرية بل ستذهب إلى «البندقية» في إيطاليا لإحضار عشرين سيارة سيتم شحنها إلى الإسكندرية. ذهبنا إلى مدينة البندقية وهي أعجب مدينة في الدنيا لا يوجد بها إلا شارع واحد للمشاة وباقي شوارع المدينة أنهار والميادين بحيرات والتنقل فيها بالجندول «مركب رفيع طويل» بدلا من الأتوبيسات والتاكسيات وكانت مدينة أعجوبة جميلة.. أنيقة.. نظيفة.. الأسعار فيها رخيصة جدا.. كل الركاب اشتروا ثلاجات فاخرة ١٨ قدما و١٦ قدما و١٤ قدما وأغلى ثلاجة قيمتها نحو مائتي جنيه بالمصري واشتروا تليفزيونا ملونا وكان التليفزيون الملون قد دخل مصر هذا العام ١٩٧٧ لأول مرة.
الخازوق الذي أخذه كل من اشترى التليفزيون الملون فوجئوا عند فتح الكرتونة أنه مكتوب عليها من الداخل «صنع في مصر»، بالإنجليزي MADE IN EGYPT ومع هذا دفعوا عليها جمركا في ميناء الإسكندرية!! يعني موت وخراب ديار.. هزيمة من تونس وأحزان وقيء وطلاق ودفع جمارك على منتج مصري!!
عاش المصريون أحزانا شديدة وأطلقوا على الهزيمة نكسة تونس ولأن مصطفى يونس وخط الظهر كانا وراء الهزيمة القاسية فقد أطلقت الجماهير على مصطفى يونس اسم مصطفى تونس.
ظل شبح نكسة تونس يتراقص أمام أعين لاعبي مصر لفترة طويلة فخرجنا بعدها من تصفيات أفريقيا ومن التصفيات الأوليمبية وتصفيات كأس العالم حتى جاء محمود الجوهري وصعد بمنتخب مصر لنهائيات مونديال إيطاليا ١٩٩٥، وحققنا التعادل مع هولندا واسكتلندا وانهزمنا بهدف أمام إنجلترا وأشاد العالم بالفريق المصري واعتبر نتائجه جيدة بالنسبة لأنه يتأهل لأول مرة بعد ٥٦ سنة من التأهل لأول عام ١٩٣٤ بإيطاليا أيضا.
وتمر الأيام والسنون ونلعب مع تونس في تصفيات أمم أفريقيا ٢٠١٥ ونخسر أمام تونس بالقاهرة بعد أن خسرنا أمام السنغال صفر /٢ في داكار ويومها قلت منتخبنا خرج ولن يتأهل واكتملت المأساة بالهزيمة أمام السنغال في القاهرة واختتمت الكارثة بالهزيمة ١ / ٢ أمام تونس بمدينة المنستير بعد أن كان فريقنا متقدما بهدف لمحمد صلاح تشيلسي وبدلا من تسجيل هدف ثان من الفرق التي لاحت لنا تحولنا في الشوط الثاني إلى أقزام وهات يا ضرب وتشليت في لاعبي تونس بقيادة الفتوة أحمد فتحي الذي لا يلعب لعبة إلا وفيها شلوت أو كوع في رأس أو صدر لاعبي تونس وقلده باقي لاعبينا فاشتاط لاعبو تونس غضبا وهاجوا علينا وسجلوا هدفين الأول مسئولية فتوة الفريق حسام غالي الذي طالبنا بعدم ضمه للمنتخب من الأول ولم يسمعوا الكلام فتطاول على الجهاز بعد سحبه من الملعب بعد أن مرر الكرة للشيخاوي ليحرز في شباك ثابت البطل هدف التعادل ولا يسأل عنه.. بل ولا يسأل عن الهدف الثاني الجميل وهو يشبه أهداف لاعب البرازيل إيدو وريفيلينو وكارلوس ألبرتو وسقراط.
الآن وقد سجلنا أرقاما قياسية بعضها رائع ومشرف بالفوز ببطولة كأس القارة ثلاث مرات متتالية والبعض الآخر مخز وقمة التناقض فخرجنا من التصفيات أيضا ثلاث مرات متتالية وهو ما لم يحدث في تاريخ مصر حتى في ظل الأزمات والنكسات.
العالم يضحك ويتندر على هذا البلد مصر الذي به العجائب والمتناقصات.
أبعدوا مجلس إدارة اتحاد الكرة عن المنتخبات في المرحلة القادمة وأنصح خالد عبد العزيز بتشكيل لجنة من المتخصصين الفاهمين لوضع تصور كامل للمرحلة القادمة وأمامنا عام كامل قبل أن تبدأ تصفيات كأس العالم ٢٠١٨ في روسيا حيث ستجري القرعة في ٢٥ يوليو ٢٠١٥ بروسيا لنعرف من سيكون معنا في المجموعة وطبعا سوف يسبقها تصفيات أمم أفريقيا ٢٠١٧ وسنشارك في التصفيات إذا لم يسند لمصر تنظيم هذه البطولة وأتمنى ألا تسند إلينا لنتخلص من عقدة الهزائم في التصفيات!!