التهكم والسخرية فى المواقف الجدية
هناك إحدى الظواهر الجديدة، ولكن غير الحميدة، التى برزت فى التعامل ما بين القوى السياسية بعضها البعض، وهى السخرية والتهكم الذى قد يؤدى إلى المزيد من إثارة الفتن والقلاقل وعدم الاستقرار..
قد يكون هناك قدر من خفة الظل فى التعامل مع بعض المواقف والتعبير عن ذلك من خلال العديد من الفنون، ولكن أن يصل الأمر إلى الاستفزاز فى أمور لا يليق بها الاستهزاء، إذ أنها تعد أمرا جد خطير.. لقد رأينا فى الأحداث الأخيرة حول ما يتعلق بالتحرش الجنسى واغتصاب السيدات التى تنزل للتظاهر إلى ميدان التحرير كحق للمرأة ..
من المؤكد أن المرأة هى نصف المجتمع وعنصر فاعل ولها ندية فى التعامل مع المواقف، ومن ثم فإن التعرض لها وبها، سواء كان ذلك عن قصد أو بناء على وقوع بعض أحداث مزرية من القلة المندسة.. فهو لا يعد من الأمور المقبولة أو التى يمكن أن تضيف لرصيد أىّ من القوى والتيارات السياسية المتصارعة، وذلك بعيداً عن هؤلاء الثوريين الذين يناضلون لا من أجل أهداف سياسية ومصالح شخصية، ولكن من أجل الوطن بأكمله ومن أجل تحقيق الأهداف التى قامت من أجلها الثورة ..
ولكن للأسف ومن خلال الإعلام الذى لا يمكن أن ننكر دوره فى الحياة السياسية على أساس أنه هو بوق التنبيه والتوعية وأيضاً أداة عرض الحقيقة على الشعب وهو أداة ردع أو تحجيم لممارسات وتصرفات السلطة السياسية وأداة رقابة فعالة ولاسيما فى ظل حالة الارتباك التى تعيشها مصر الآن..
وقد رأينا التعبير المحترم من جانب الشباب بالرسوم (الجرافيك ) والتى تعد تعبيراً عميقاً عن الأحداث، وقد تنطوى على بعض السخرية ولكنها موضوعية ولا تنطوى على إسفاف وإن كان هناك بعض الألفاظ الخارجة عن حدود الأدب واللياقة على جدران الحوائط ولكنها من القلة ممن يحسبون على الثورة، ومثل هذه الأمور واردة ولكن أن يصل الأمر إلى بعض الرموز السياسية من القوى السياسية من كلا الطرفين من خلال وسائل الإعلام وذلك عند الحديث عن واقعة التحرش الجنسى، وهى قد عرضت فى أحد البرامج وذلك عندما تحدثوا عن أن الجمعة السابقة، والتى عرفت بجمعة "معا ضد العنف" أو "جمعة نبذ العنف" عندما رد أحدهم فى أحد التعليقات حول أن هذه الجمعة قد خلت من التحرش الجنسى أو بمعنى أصح لم يكن هناك من تحدث على ذلك ولأنها كانت الجمعة التى نزل فيها التيار الإسلامى.
ولكن الرد لم يكن باللائق حيث تحدث أحدهم قائلاً إن السبب هو "أنه يمكن ما كانش فيه رجالة فى هذه المظاهرات "وقد حمل معنى السخرية والتهكم بما يوحى بأن أى حديث حول التحرش هو أمر محل افتراء.. لقد كانت عملية التخوين وعدم التوافق والكثير من التجاوزات هى النمط الغالب فى أحداث الثورة، وهو ما يعنى أننا فى ظل ذلك الاختلاف الذى يصل إلى حد الخلاف الكبير، يمكن تفاقم الأمور وتصل بنا ليس إلى حد الاستهزاء والاستخفاف بأمور تتعلق بمستقبل الدولة، بل إن ذلك من شأنه أن يؤدى إلى التعجيل بانهيار الدولة وأن تصبح الثورة عورة، ويصل بنا الأمر فى النهاية إلى أن نلعن هذه الثورة وذلك ما لن يحدث لأن ما عاناه شعب مصر لن يجعله يصل إلى هذه الحالة حتى ولو انطوت على قدر من المرارة.