المهرولون إلى صناديق الاقتراع
وطن يحترق.... ثم يفاجئنا رئيسنا الشرعى بتحديد نهايات إبريل لبدء انتخابات البرلمان، كأن التاريخ يعيد نفسه، فدوما ما عهدنا حكامنا لا يأبهون بمطالبنا ولا يعتنون بما يجيش بصدورنا من مشاعر وأحاسيس، كنا نعتقد أن شيئا ما قد تغير فى أرضنا، وأن حكامنا الجدد يضعون اعتباراتهم شعبا عظيما أسقط فرعونا فى ثمانية عشر يوما فى شتاء قارص البرودة، ويبدو أنه فقط سقط فرعون من فوق عرشه، ليعتلى فرعون جديد ذات العرش ونفس المملكة، الأول سعى لتوريث نجله والآخر جاء لتوريث جماعته.
كيف نمضى بوطننا من باطل إلى باطل إلى جب مظلم عميق لاقرار له ولا مغيث.. ماذا يريد الرئيس وجماعته من الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها فى سماء وطننا الملبدة بالغيوم؟. إلى ماذا يطمحون؟.. الأغلبية البرلمانية.. حكومة إخوانية.. السيطرة على مقدرات الوطن؟...
لقد حصلتم على الأغلبية البرلمانية فى 2011، فماذا فعلتم بالأغلبية؟، "برلمانا مشوها" خرجت قوانينه التى دشنها لتلقى بسلة مهملات المحكمة الدستورية.. ماذا حصدتم من أغلبيتكم بمجلس الشورى المحصن بقرار غير شرعى من رئيسنا الشرعى الذى داس بقدميه دولة القانون وشجع ميليشياته على حصار المحكمة الدستورية لمنعها من اتخاذ ما يلزم حيال القوانين المعيبة التى خرجت من برلمان معيب بأيدى صبحى صالح ورفاقه الذين يقودون دولة القانون إلى مثواها الأخير.. ماذا فعلتم بأغلبيتكم فى اللجنة التأسيسية للدستور؟.
"دستورا معيبا".. قضى على آمال وطموحات جيل بأكمله فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. دشنتم دستورا معيبا وصفه المحللون والفقهاء بالدستور الكارثى، أنتم وأنصاركم فقط من يرون فيه دستورا عظيما لا نظير له، والحقيقة التى لا مراء فيها هى اختلاف طموحات هذا الشعب عن طموحات أنصاركم وآمالهم فنحن نحلم بوطن الحرية الكاملة والعدالة الناجزة، لايحكمنا فيه بطش سلطان ولا كاهن، نحلم بمصر الثورة، فما هى آمالكم وطموحاتكم؟!.
الخلافة تلك التى قضى عليها مصطفى كمال أتاتورك، عندما اتخذ قرارا رائعا لينفض يد بلاده عن هذا الإرث العبثى لإمبراطورية مترهلة عجوز محتلة، لينتهى المطاف بتركيا أمة عريقة وشعبا قادرا على تحقيق طموحاته، ونبقى نحن البكاؤون دوما على أطلال الماضى السحيق الذى لايستحق البكاء عليه، نبقى هكذا نئن تحت وطأة الجلادين والمستبدين تارة بنعال العسكر ونياشينهم، وتارة بكهنة المعبد وحاملى لواء الدين نهارا، سافكى دمائنا على ابواب قصورهم فى ليل أسود بهيم.
لن يجدى نفعا التزييف الذى تمارسونه، فما زال استقراركم المزعوم لم ينعم به المواطن البسيط الذى غررتم به منذ استفتاء مارس و نكبة الصناديق التى قسمت الأمة، لن ننعم باستقرار طالما أن هناك رجالا قرروا أن يدوسوا بأحذيتهم دولة القانون.
الأمانة الأخلاقية والسياسية تقتضى أن يعود هؤلاء إلى رشدهم وأن يدركوا أن الإرث ثقيل والأزمات التى خلفتها أنظمة سابقة يستحيل أن يقوى عليها فصيل واحد لا يملك كفاءات ورجال دولة لديهم المقدرة على الخروج من النفق المظلم، رجال لا ترتعد فرائصهم ولا ترتعش أقلامهم، يدركون ما يحملونه فوق كواهلهم من طموحات عظيمة لشعب قرر أن يعيش.
ما تمر به مصر من أزمات واعتصامات وعصيان مدنى واقتصاد ينهار يدفعنا إلى التحلى بأبجديات الأخلاق النبيلة، ننحى جانبا الأهداف السياسية والنزعات الاستبدادية، ولا ضير فى التباحث فى الشأن الاقتصادى والأمنى وتشكيل حكومة تكنوقراط تخلع رداء الحزبية، حتى يتسنى لنا إنقاذ الوطن من مغبة الفوضى العارمة التى بدأت منذ الإعلان الدستورى المعيب،لا تلوموا شبابا يقف خلف أسوار الاتحادية وفى ميادين مصر بأسرها يصرخ هادرا بأعلى صوته الشعب يريد إسقاط النظام، اللوم على من تنكروا لثورة عظيمة وشهداء أبرار، وهرولوا حيث المقاعد البرلمانية غير مدركين أن طوفانا يلوح فى الأفق سيطيح بكراسيهم وعروشهم وبرلماناتهم إلى الجحيم... وإن غدًا لناظره قريب.